التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٥٦
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٥٧
ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ
٥٨
إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ
٥٩
ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ
٦٠
-آل عمران

النهر الماد

{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بدأ في التفصيل بالكفار لأن ما قبله من ذكر حكمه تعالى بينهم هو على سبيل التهديد والوعيد للكفار والاخبار بجزائهم فناسب في البداءة بهم ولأنهم أقرب في الذكر بقوله: { { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [آل عمران: 55]، ولكون الكلام مع اليهود الذين كفروا بعيسى عليه السلام وراحوا قتله، ثم أتى ثانياً بذكر المؤمنين وعلق هناك العذاب على مجرد الكفر، وهنا علق توفية الأجر على الإِيمان وعمل الصالحات تنبيهاً على درجة الكمال في الإِيمان ودعاء إليها.
{ فَأُعَذِّبُهُمْ } أسند الفعل الى ضمير المتكلم وحده وذلك ليطابق قوله:
{ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } [آل عمران: 55]، وفي هذه الآية قال: فيوفيهم، بالياء على قراءة حفص درويش وذلك على سبيل الإِلتفات والخروج من ضمير التكلم الى ضمير الغيبة للتنوع في الفصاحة. وقرأ الجمهور فنوفيهم بالنون الدالة على المتكلم المعظم شأنه ولم يأت بالهمزة كما في تلك الآية ليخالف في الاخبار بين النسبة الإِسنادية فيما يفعله بالكافر وبالمؤمن كما خالف في الفعل لأن المؤمن العامل للصالحات عظيم عند الله تعالى فناسب الإِخبار عن المجازيين بنون العظمة.
{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما تقدم من خبر عيسى وزكريا وغيرهما. { نَتْلُوهُ } نسرده ونذكره شيئاً بعد شيء، وأضاف التلاوة الى نفسه وإن كان الملك هو التالي تشريفاً له. وجعل تلاوة المأمور تلاوة الآمر، وفي نتلوه التفات، لأن قبله ضمير غائب في قوله: لا يحب. ونتلوه: معناه تلوناه. كقوله:
{ { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ } [البقرة: 102] ويجوز أن يراد به ظاهره من الحال لأن قصة عيسى لم يفرغ منها ويكون ذلك بمعنى هذا. (وقال) الزمخشري: يجوز أن يكون ذلك من قوله: ذلك نتلوه عليك بمعنى الذي ونتلوه صلته ومن الآيات الخبر. "انتهى". وهذه نزعة كوفية يجيزون في أسماء الإِشارة أن تكون موصولة ولا يجوز ذلك عند البصريين إلا في ذا وحدها إذا سبقها. ما الاستفهامية باتفاق أو من الاستفهامية باتفاق أو من الاستفهامية باختلاف وقد قال: يقول الزمخشري الزجاج قبله وتبعه هو وتقدير ذلك في النحو والآيات هنا الظاهر أنه يراد بها آيات القرآن ويحتمل أن يراد بها المعجزات والمستغربات أي يأتيهم بهذه الغيوب من قبلنا وبسبب تلاوتنا وأنت أمي لا تقرأ ولا تصحب أهل الكتاب فهي آيات لنبوتك: قاله ابن عباس والجمهور.
{ وَٱلذِّكْرِ } القرآن. و{ ٱلْحَكِيمِ } أي الحاكم أتى بصيغة المبالغة فيه ووصف بصفة من هو من سببه وهو الله تعالى أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه.
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ } الآية قال ابن عباس وغيره:
"جادل وفد نجران النبي صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى وقالوا: بلغنا أنك تشتم صاحبنا، وتقول: هو عبد. فقال صلى الله عليه وسلم: وما يضر ذلك عيسى أجل هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فقالوا: هل رأيت بشراً قط جاء في غير فحل أو سمعت به فخرجوا. " فنزلت. والمثل هاهنا بمعنى الصفة أي صفة عيسى في ولادته من غير أب على خلاف المعهود مثل صفة آدم في الغرابة والإِنشاء من غير أب وأم ولا يلزم التشبيه بالشيء أن يكون من جميع وجوهه وأنكر بعض الناس أن يكون المثل بمعنى الصفة وتقدم نوع من هذا التركيب والكلام عليه في قوله: { { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } [البقرة: 17] فأغنى عن إعادته. ومعنى عند الله أي عند من يعلم حقيقة الأمر وكيف هو.
{ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } ذكر أصل نشئه أي صوره شكلاً من تراب. { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن } أي كن بشراً سوياً ذا روح وعقل. { فَيَكُونُ } أي فهو يكون وهذه كناية عن سرعة الإِيجاد نزل قابلية الشيء لما أراده الله منزلة الموجود المأمور القابل لامتثال الأمر. والجملة من قوله: خلقه، تفسيرية كمثل آدم فلا موضع لها من الإِعراب وقد أجيز أن تكون محالاً ومنعه بعضهم.