{ وَٱذْكُـرْنَ } أما بمعنى احفظن وتذكرن وإما اذكرنه لغيركن واروينه حتى ينقل.
{ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } هو القرآن.
{ وَٱلْحِكْـمَةِ } هي ما كان من حديثه وسنته عليه السلام وفي قوله: لطيفاً تليين وفي خبيراً تحذير ما وروي أن نساءه عليه السلام قلن يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكرنا وقيل السائلة أم سلمة وقيل لما نزل في نسائه ما نزل في نسائه ما نزل قالت نساء المسلمين فما نزل فينا شىء فنزلت إن المسلمين الآية وهذه الأوصاف العشرة تقدم شرحها بدأً أولاً بالانقياد الظاهر ثم بالتصديق ثم الأوصاف التي بعدها تندرج في الإِسلام وهو الإِنقياد وفي الإِيمان وهو التصديق ثم ختمها بخلة المراقبة وهي ذكر الله كثيراً ولم يذكر لهذه الأوصاف متعلقاً إلا في قوله: والحافظين فروجهم والذاكرين الله نص على متعلق الحفظ لكونه مزلة العقلاء ومركب الشهوة الغالبة على متعلق الذكر بالاسم الأعظم وهو لفظ الله إذ هو العلم المحتوي على جميع أوصافه ليذكر المسلم من يذكره وهو الله تعالى وحذف من الحافظات والذاكرات المفعول لدلالة ما تقدم والتقدير والحافظاتها والذاكراته.
{ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم } غلب الذكور فجمع الإِناث معهم وأدرجهم في الضمير ولم يأت التركيب لهم ولهن.
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } الآية قال الجمهور خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد زينب بنت جحش فأبت وقالت: لست بناكحته فقال: بلى فانكحيه فقد رضيته لك فأبت فنزلت وذكر أنها وأخاها عبد الله كرها ذلك فلما نزلت الآية رضيا بذلك* ومناسبة هذه الآية لما قبلها لما ذكر تلك الأوصاف السابقة من الإِسلام فما بعده عقب ذلك بما صدر من بعض المسلمين إذ أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ووقع منهم الاباء له فأنكر عليهم وقال الزمخشري: كان من حق الضمير أن يوحد كما تقول ما جاءني من رجل ولا إمرأة إلا كان من شأنه كذا "انتهى" ليس كما ذكر لأن هذا عطف بالواو ولا يجوز إفراد الضمير إلا على تأويل الحذف أي ما جاءني من رجل إلا كان من شأنه كذا وتقول ما زيد وعمرو إلا ضرباً خالداً ولا يجوز إلا ضرب إلا على الحذف كما قلنا * والخيرة مصدر من تخير على غير قياس كالطيرة من تطير.
{ وَإِذْ تَقُولُ } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بالإِسلام وهو أجل النعم وهو زيد بن حارثة الذي كان عليه السلام تبناه.
{ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } وهو عتقه وقال علي بن الحسين كان قد أوحى الله تعالى إلى رسوله أن زيداً سيطلقها وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها فما شكا زيد خلقها وأنها لا تطيعه وأعلمه بأنه يريد طلاقها قال له أمسك عليك زوجك واتق الله على طريق الأدب والوصية وهو يعلم أنه سيطلقها وهذا هو الذي أخفى في نفسه ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم من أنه سيطلقها وخشي صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أمره بطلاقها فعاتبه الله تعالى على هذا العذر في شىء قد أباحه الله له بأن قال: أمسك مع علمه أنه يطلق وأعلمه بأن الله أحق بالخشية في كل حال وهذا المروي عن علي بن الحسين هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين كالزهري وبكر بن العلاء والقشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم وفي قوله: أمسك عليك تعدى الفعل الرافع لضمير المخاطب إلى ضمير الجر بوساطة علي ونظيره قول الشاعر
هون عليك فإن الأمور بكف الإِله مقاديرها
وفي قوله: زوجناكها تعدى فعل زوج إلى مفعولين وقد جاء الثاني بحرف الجر في قوله تعالى: { { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } [الدخان: 54، الطور: 20] ولما نفى الحرج عن المؤمنين فيما ذكر واندرج الرسول عليه السلام فيهم إذ هو سيد المؤمنين نفى عنه الحرج بخضوعه وذلك على سبيل التكريم والتشريف ونفى عنه الحرج مرتين إحداهما بالاندراج في العموم والأخرى بالخصوص.
{ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ } أي من الزيادة على الأربع وكانت اليهود عابوه بكثرة النكاح وكثرة الأزواج فردّ الله عليهم بقوله: سنة الله أي في الأنبياء بكثرة النساء حتى كان لسليمان عليه السلام ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية وكان لداود عليه السلام مائة إمراة وثلاثمائة سرية وانتصب سنة على أنه اسم موضوع موضع المصدر * قال ابن عطية وانتصب سنة الله على الإِغراء كأنه قال فعليه سنة الله "انتهى" قوله على الإِغراء ليس بجيد لأن عامل الإِسم في الإِغراء لا يجوز حذفه وأيضاً فتقديره فعليه سنة الله بضمير الغائب لا يجوز ذلك في الإِغراء لأنه لا يغري غائب وما جاء من قولهم عليه رجلاً ليسنى له تأويل ومع ذلك فهو نادر.
{ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ } الأنبياء بدليل وصفهم بعد قوله: الذين يبلغون رسالات الله وهي جملة اعتراض بين الصفة والموصوف والذين مجرور صفة للذين خلوا ثم نفى تعالى كون رسوله أبا أحد من الرجال فلا يثبت بينه وبين من تبناه من حرمة المصاهرة والنكاح ما يثبت بين الأب وولده * وقرأ الجمهور ولكن رسول بتخفيف لكن ونصب رسول على إضمار كان لدلالة كان المتقدمة عليه قبل أو على العطف على أبا أحد * وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو بالتشديد والنصب على أنه إسم لكن والخبر محذوف تقديره ولكن رسول الله وخاتم النبيين هو أي محمد صلى الله عليه وسلم وحذف خبر لكن وأخواتها جائز إذا دل عليه الدليل فمما جاء في لكن قول الشاعر
فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي ولكن زنجياً عظيم المشافر
أي لا أنت تعرف قرابتي.
{ هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ } معطوف على الضمير المرفوع المستكن في يصلي وأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد وصلاة الله غير صلاة الملائكة فكيف اشتركا في العطف وهما يتخلفان وإنما كان ذلك لأنهما قد اشتركا في قدر مشترك وهو إرادة وصول الخير إليهم فالله تعالى يريد برحمته إياهم إيصال الخير إليهم وملائكته يريدون بالاستغفار.
{ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ } نهى له عليه السلام عن السماع منهم في أشياء كانوا يطلبونها مما لا يجب وفي أشياء ينتصحون بها وهي غش.
{ وَدَعْ أَذَاهُمْ } الظاهر إضافته إلى المفعول لما نهى عن طاعتهم أمر بتركه إذايتهم وعقوبتهم ونسخ منه ما يخص الكافرين بآية السيف.
{ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ } فإِنه ينصرك ويخذلهم ويجوز أن يكون مضافاً للفاعل أي ودع إذايتهم إياك أي مجازاة الإِذاية من عقاب وغيره حتى تؤمر وهذا تأويل مجاهد.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } معنى نكحتم عقدتم عليهن وسمي العقد نكاحاً لأنه سبب إليه كما سميت الخمر إنما لأنها سبب له ولفظ النكاح في كتاب الله لم يرد إلا في العقد وهو من آداب القرآن * وقال ابن عطية روي أبي برزة عن ابن كثير بتخفيف الدال من العدوان كأنه قال: فما لكم عدة تلزمونها عدواناً وظلماً لهن والقراءة الأولى أشهر عن ابن كثير وتخفيف الدال وهم من أبي بزرة "انتهى" * ليس بوهم إذ قد نقلها عن ابن كثير ابن خالويه وأبو الفضل الرازق في كتاب اللوامح في شذاذ القراآت والظاهر في:
{ فَمَتِّعُوهُنَّ } أنه للوجوب وقيل للندب وتقدم الكلام عليه في البقرة.
والسراج الجميل هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب وقيل أن لا يطالبها بما آتاها ولما بين تعالى بعض أحكام أنكحة المؤمنين أتبعه بذكر طرف من نساء النبي صلى الله عليه وسلم والأجور المهور لأنه أجر على الاستمتاع بالبضع وغيره مما يجوز به الاستمتاع وفي وصفهن باللاتي آتيت أجورهن تنبيه على أن الله تعالى اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم الأفضل والأولى لأن إيتاء المهر أولى من تأخيره لنقضي الزوج عن عهدة الدين وشغل ذمته به ولأن تأخيره يقتضي أن يستمتع بها مجاناً دون عوض تستلمه والتعجيل كان سنة السلف لا يعرف منهم غيره ألا ترى إلى قوله عليه السلام لبعض الصحابة حين شكا حالة التزوج فأين درعك الحطيمة ولذلك تخصص ما ملكت يمينه بقوله مما أفاء الله عليك لأنها إذا كانت مسبية مالكها مما غنموا لله تعالى من أهل دار الحرب كانت أحل وأطيب مما يشتري من الجلب فيما سبى من دار الحرب قيل فيه سبى طيبة وممن له عهد قيل فيه سبي خبيثة وفيء الله لا يطلق إلا على الطيب دون الخبيث والظاهر أن قوله انا أحللنا لك أزواجك بمن كانت في عصمته كعائشة وحفصة ومن تزوجها بمهر.
و{ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ } صفة للبنات.
{ وَبَنَاتِ عَمِّكَ } قالت أم هانىء بنت أبي طالب خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ثم نزلت هذه الآية فحرمتني عليه لأني لم أهاجر معه وإنما كنت من الطلقاء والتخصيص باللاتي هاجرن معك لأن من هاجرن معه من قرابته غير المحارم أفضل من غير المهاجرات.
{ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً } قال ابن عباس: هي ميمونة بنت الحارث وقيل غير ذلك وتقدم الخطاب له عليه السلام وانتقل منه للإِسم الغالب وهو للنبي.
{ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ } والضمير الغائب في أن يستنكحها ثم إلى ضمير الخطاب في قوله: خالصة لك * قال الزمخشري والفاعل والفاعلة في باب المصادر غير عزيزين كالخارج والقاعد والعاقبة والكاذبة "انتهى" ليس كما ذكر بل هما عزيزان وتمثيله كالخارج يسير إلى قول الفرزدق * ولا خارجاً من فيّ زور كلام * والقاعد إلى أحد التأويلين في قولهم أقاعد وقد سار الركب والكاذبة إلى قوله تعالى: { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } [الواقعة: 2] وقد تتأول هذه على أنها ليست مصادر والظاهر أن قوله: خالصة لك من صفة الواهبة لك نفسها أي هبة النساء أنفسهن مختص بك لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لغيرك وأجمعوا على أن ذلك غير جائز لغيره عليه السلام.
{ تُرْجِي مَن تَشَآءُ } تقدم الكلام عليه في براءة والظاهر أن الضمير في منهن عائد على أزواجه عليه السلام والإِرجاء قال ابن عباس في طلاق من تشاء ممن حصل في عصمتك وإمساك من تشاء ومن ابتغيت أي من طلبتها من المؤخرات وهن المعزولات فلا جناح عليك في ردها وإيوائها إليك.
{ ذَلِكَ أَدْنَىٰ } أي التفويض إلى مشيئتك أي قرة عيونهن ووجود رضاهن إذ علمن أن ذلك التفويض هو من عند الله تعالى فحالة كل منهن كحالة الأخرى في ذلك وكلهن تأكيد لنون يرضين واتفقت الروايات على أنه عليه السلام كان يعدل بينهن في القسمة حتى مات ولم يستعمل شيئاً مما أبيح له ضبطاً لنفسه وأخذاً بالفضل غير ما جرى لسودة.
{ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } الآية الظاهر أنها محكمة. ومن بعد المحذوف منه مختلف فيه * قال ابن عباس: من بعد التسع لأن التسع نصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمته منهن قيل لما خيرن فاخترن الله ورسوله جازاهن الله ان حظر عليه النساء غيرهن وتبديلهن ونسخ بذلك ما أباحه قبل له من التوسعة في جميع النساء.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ } الآية في الصحيحين عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأوا ذلك قام وقام من القوم من قام وقعد ثلاثة فجاء فدخل فإِذا القوم جلوس فرجع وانهم قاموا وانطلقوا وجئت فأخبرته أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل وذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله عليه هذه الآية * وقرىء: غير بالنصب على الحال والعامل فيه محذوف تقديره ادخلوا بالاذن غير ناظرين وقرىء بالكسر صفة لطعام ثم أمر بالانتشار إذا طعموا * قال الزمخشري:
{ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ } في معنى الظرف تقديره وقت أن يؤذن لكم وغير ناظرين حال من لا تدخلوا وقع الاستثناء على الوقت والحال معاً كأنه قيل لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الاذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين اناه "انتهى" اما أن يؤذن لكم في معنى الظرف وتقديره وقت أن يؤذن لكم وأنه أوقع الاستثناء على الوقت فليس بصحيح وقد نصوا على أن المصدرية لا تكون في معنى الظرف تقول أجيئك صياح الديك وقدوم الحاج ولا يجوز أجيئك أن يصيح الديك ولا أن يقدم الحاج وأما أن الاستثناء وقع على الوقت والحال معاً فلا يجوز على مذهب الجمهور ولا يقع بعد إلا في الاستثناء إلا المستثنى منه أو صفة المستثنى منه وأجاز الأخفش والكسائي ذلك في الحال أجاز ما مذهب القوم إلا يوم الجمعة راحلين عنا فيجوز ما قاله الزمخشري في الحال وأما قوله: إلا أن يؤذن فلا يتعين أن يكون ظرفاً لأنه يكون التقدير إلا بأن يؤذن لكم فيكون الباء للسبب كقوله: { { فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } [الأعراف: 57] أو للحال أي مصحوبين بالإِذن.
{ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ } معطوف على غير فهو منصوب أي لا تدخلوها لا ناظرين ولا مستأنسين.
{ ذَٰلِكُمْ } إشارة إلى السؤال من وراء الحجاب.
{ أَطْهَرُ } يريد من الخواطر التي تخطر للرجال في أمر النساء والنساء في أمر الرجال إذ الرؤية سبب التعلق والفتنة ألا ترى قول الشاعر والمرء ما دام ذاعين يقلبها في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ساء مهجته لا مرحباً بانتفاع جاء بالضرر
{ إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ } وعيد لمن تقدم التعريض به في الآية ممن أشير إليه بقوله: ذلك أطهر ومن أشير إليه.
{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ } فقيل ان تبدوا شيئاً على ألسنتكم أو تخفوه في صدوركم مما يقع عليه العقاب فالله يعلمه فيجازي عليه روي أنه لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب: أو نحن يا رسول الله أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فنزل لا جناح عليهنّ أي لا إثم عليهن والظاهر من قوله أو ما ملكت أيمانهنّ دخول العبيد والإِماء دون ما ملك غيرهنّ وقيل مخصوص بالإِماء وقيل جميع العبيد ممن في ملكهنَّ أو في ملك غيرهنَّ وقال النخعي: يباح لعبدها النظر إلى ما لا يواريه الدرع من ظاهر بدنها.