التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
١٥٠
أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
١٥١
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٥٢
يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً
١٥٣
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً
١٥٤
-النساء

النهر الماد

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ } قيل: نزلت في اليهود والنصارى وجعل إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض كفراً بالله ورسوله. وقوله:
{ بَيْنَ ذٰلِكَ } أي بين الإِيمان والكفر. والجملة من قوله:
{ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ } وما بعدها خبر لأن والأفعال التي قبل ذلك صلات للذين. بدأ أولاً بأشنعها وهو الكفر بالله ورسله إذ هم متظاهرون بذلك، ثم الاعتقاد القلبي وهو إرادة التفريق بين الله ورسله، ثم التلاعب بالذين في كونهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. وانتصب حقاً على أنه نعت لمصدر محذوف تقديره كفراً حقاً. ويجوز في إعراب هم أن يكون مبتدأ والكافرون خبر. ويجور أن يكون هم فصلاً والكافرون خبر عن أولئك ويجوز أن يكون بدلاً من أولئك والبدل من المبتدأ مبتدأ فيكون الكافرون خبراً عن لفظ هم. ويجوز أن ينتصب حقاً على أنه توكيد لمضمون الجملة والعامل محذوف تقديره أحق ذلك حقاً. لما تقدم ذكر الكافرين ذكر مقابليهم وهم المؤمنون وذكر ما أعد لهم كما ذكر ما أعد للكافرين. وختم آية المؤمنين بقوله: غفوراً رحيماً أي غفوراً لمن يقع منه بعض زلل، رحيماً لكونه لا يؤاخذهم.
{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } عامّ في اليهود والنصارى. وقيل: خاص باليهود وسؤالهم سؤال تعنت. ولذلك قالوا: ان تنزل، والتنزيل إنما هو لله تعالى وقد نزل عليهم أشرف الكتب وأعظمها وهو القرآن.
{ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ } وقدروا قبل هذا كلاماً محذوفاً. فجعله الزمخشري شرطاً هذا جوابه وتقديره فإِن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك. وقدره ابن عطية فلا تبال يا محمد عن سؤالهم وتشطيطهم فإِنها عادتهم، فقد سألوا موسى. وأسند السؤال إليهم وإن كان إنما وقع من آبائهم من نقبائهم السبعين لأنهم راضون بفعل آبائهم ومذاهبهم ومشابهون لهم في التعنت. وقرىء أكثر بالثاء مكان الباء. وتقدم تفسير باقي الآية في البقرة. والباء في قوله: فبما نقضهم تتعلق بمحذوف، فقدره الزمخشري فعلنا بهم ما فعلنا، وقدره ابن عطية لعناهم وذللناهم. وجوزوا أن تتعلق بقوله: جعلنا عليهم، على أن قوله:
{ { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } [النساء: 160]، بدل من قوله: { { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } [النساء: 155]، وقاله الزجاج وأبو بكر والزمخشري وغيره. وهذا فيه بعد لكثرة الفواصل بين البدل والمبدل منه ولأن المعطوف على السبب سبب فيلزم تأخر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم في الوقت عن وقت التحريم فلا يمكن أن يكون جزءَ سبب أو سبباً إلا بتأويل بعيد. وبيان ذلك أن "قولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم انا قتلنا المسيح" متأخر في الزمان عن تحريم الطيبات عليهم، فالأولى أن يكون التقدير لعناهم. وقد جاء مصرحاً به في قوله: { { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } [النساء: 155] لعناهم.