التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً
١٦٣
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً
١٦٤
رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٦٥
لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً
١٦٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً
١٦٧
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً
١٦٨
إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
١٦٩
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٧٠
-النساء

النهر الماد

{ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله أن ينزل عليهم كتاباً من السماء واحتجاج عليهم بأن شأنه في الوحي إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا. والنبيين: جمع عام جرد منهم ما ذكره تعالى في قوله:
{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } تعظيماً لهم وتنبيهاً على أنهم أشرف من غيرهم إذ كانوا أصحاب ملل كملة موسى وعيسى.
وقرىء { زَبُوراً } بضم الزاي جمع زبور كعمود وعمد. والزبور الذي آتاه الله داود وأنزله عليه. قرأت فيه وقد عرّب وهو يتضمن مواعظ وامتثالاً كثيرة وانتصاب ورسلاً على إضمار فعل أي قد قصصنا رسلاً عليك فهو من باب الاشتغال والجملة من قوله قد قصصناهم مفسرة لذلك الفعل المحذوف ويدل على هذا قراءة أبيّ. ورسل بالرفع في الموضعين على الابتداء وجاز الابتداء بالنكرة هنا لأنه موضع تفصيل كما أنشدوا:

فثوب لبست وثوب أجر

وقوله:

بشق وشق عندنا لم يحول

ومرجع النصب على الرفع كون العطف على جملة فعلية وهي وآتينا داود زبورا.
{ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } هذا إخبار بأن الله شرف موسى بكلامه وأكد بالمصدر دلالة على وقوع الفعل على حقيقته لا على مجازه هذا هو الغالب وقد جاء التأكيد بالمصدر في المجاز إلا أنه قليل فمن ذلك قول هند بنت النعمان بن بشير الأنصاري:

بكى الخز من روح وأنكر جلده وعجيت عجيجاً من جذام المطارف

وقال ثعلب: لولا التأكيد بالمصدر لجاز أن يكون كما تقول: قد كلمت لك فلاناً، بمعنى كتبت إليه رقعة وبعثت إليه رسولاً، فلما قال: تكليماً لم يكن إلا كلاماً مسموعاً من الله تعالى.
ومسألة الكلام مما طال فيه الكلام واختلف فيها علماء الإِسلام وبها سمي علم أصول الدين بعلم. الكلام وهي مسألة يبحث فيها في أصول الدين.
وقرىء: { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً }، بالنصب في الجلالة. رسلاً بدل من قوله: ورسلاً. والجملة من قوله: وكلم الله موسى تكليماً، جملة اعتراض بين البدل والمبدل منه أفادت تشريف موسى عليه السلام بتكليمه تعالى إذ هو مندرج في قوله: ورسلاً قد قصصناهم عليك.
{ مُّبَشِّرِينَ } بالثواب.
{ وَمُنذِرِينَ } بالعقاب. ولئلا تعليل لإِرسال الرسل كما قال تعالى:
{ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } [المائدة: 19].
{ لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ }، الآية، لكن الاستدراك يقتضي تقدم جملة محذوفة لأن لكن لا يبتدأ بها فالتقدير ما روي في سبب النزول وهو أنه لما نزل انا أوحينا إليك قالوا ما نشهد لك بهذا فنزل: لكن الله يشهد، وشهادته تعالى بما أنزله إليه إثباته بإِظهار المعجزات كما ثبتت الدعاوي بالبينات.
وقرىء { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ } بالتشديد ونصب الجلالة.
{ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } الباء للحال أي ملتبساً بعلمه أي عالماً به.
{ إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ } استثناء من قوله طريقاً. وطريقاً منفي من حيث المعنى لأن التقدير لم يكن الله مريداً لهدايتهم وإذا انتفت إرادة الهداية انتفت الهداية للطريق وإذا انتفت الهداية انتفت الطريق وهذا على طريق البصريين وأما الكوفيون فالنفي فحسب أولاً على الهداية. وتقدم الكلام على لام الجحود في قوله:
{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [البقرة: 143].