التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً
٤٧
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً
٤٨
-النساء

النهر الماد

{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ } الآية، "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم احبار اليهود منهم عبد الله بن صوريا وكعب إلى الاسلام، وقال لهم: إنكم لتعلمون أن الذي جئت به حق، فقالوا: ما نعرف ذلك فنزلت" ، قاله ابن عباس. ومناسبتها لما قبلها هو أنه تعالى لما رجاهم بقوله: { { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ } [النساء: 46] الآية، خاطب من يرجى إيمانه منهم بالأمر بالإِيمان وقرن بالوعيد البالغ على تركه ليكون ادعى لهم إلى الإِيمان والتصديق به ثم أزال خوفهم من سوء الكبائر السابقة بقوله:
{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية، وتوعدهم ان لم يؤمنوا بأحد أمرين الطمس أو اللعن الموصوف. والظاهر أن معنى الطمس: جعل الحاجبين والعينين والأنف والفم لوحاً واحداً، ثم يقلب مشرفاً على الظهر ويصير القفا مشرفاً على الصدر، وهذا تشويه عظيم لمحاسن الإِنسان. وقيل: هو على حذف مضاف أي نطمس أعين وجوه ونجعلها في القفا. وقرىء: نطمس بضم الميم وكسرها. واللعن هو المتعارف وتقوم قبل ولكن لعنهم الله وهذا لعن مطلق، وفي هذه الآية لعن مقيد بقوله: كما لعنا أصحاب السبت. وقيل: وأصحاب السبت هم أهل آيلة مسخوا قردة وخنازير. ولما سمع عبد الله بن سلام هذه الآية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي أهله ويده على وجهه وأسلم وقال: يا رسول الله ما كنت أرى أني أحل إليك حتى يحوّل وجهي في قفاي.
{ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } المعنى الذي أراد إيجاده وتعلق أمره به لا بد من وجوده.
{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية، قيل:
"نزلت في وحشي وأصحابه وكان جعل له على قتل حمزة أن يعتق فلم يوف له فقدم مكة وقدم على الذي صنعه هو وأصحابه ثم قدموا مسلمين وقص كيفية قتل حمزة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيّب وجهك عني فلحق بالشام وبقي بها حتى مات" وقصته مشهورة في السير ومذاهب الناس. في هذه الآية مختلفة فاجمع المسلمون على تخليد من مات كافراً في النار وعلى تخليد من مات مؤمناً لم يذنب قط في الجنة فأما تائب مات على توبته ففي الجنة. وأما مذنب مات قبل توبته فالخوارج تقول: هذا مخلد في النار سواء كان صاحب كبيرة أم صاحب صغيرة. والمرجئة تقول: هو في الجنة بإِيمانه ولا تضره سيئاته.
والمعتزلة تقول: إن كان صاحب كبيرة خلد في النار.
وأهل السنة يقولون: هو في المشيئة فإِن شاءَ الله تعالى غفر له وأدخله الجنة من أول وهلة. وإن شاء عذبه وأخرجه من النار وأدخله الجنة بعد مخلداً فيها. وحُجَج هذه المذاهب مذكورة في علم أصول الدين.
وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } والمعنى إن من مات مشركاً لا يغفر له. وهو أصل مجمع عليه من الطوائف الأربع. وقوله:
{ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } رداً على الخوارج وعلى المعتزلة لأن ما دون ذلك عام يدخل فيه الكبائر والصغائر.
وقوله: { لِمَن يَشَآءُ } راد على المرجئة إذ مدلوله أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم على ما شاء الله تعالى بخلاف ما زعموه بأن كل مؤمن مغفور له.