التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً
٥٨
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
٥٩
-النساء

النهر الماد

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } سبب نزولها ما ذكروا من قصة مضمونها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ مفتاح الكعبة من سادنيها أو عثمان بن طلحة وابن عمه شيبة بن عثمان بعد تأب من عثمان ولم يكن أسلم فسأل العباس الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجمع له بين السقاية والسدانة فنزلت فرد المفتاح إليهما وأسلم عثمان وقال عليه الصلاة والسلام: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلى ظالم" . وعن ابن عباس وغيره: نزلت في الأمراء يؤدوا الأمانة فيما ائتمنهم الله من أمر رعيته ومناسبتها لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر وعد المؤمنين وذكر عمل الصالحات نبه على هذين العملين الشريفين اللذين من اتصف بهما كان أحرى أن يتصف بغيرهما من الأعمال الصالحة فأحدهما ما يختص به الانسان فيما بينه وبين غيره وهو أداء الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها والثاني ما يكون بين اثنين من الفصل بينهما بالحكم العدل الخالي عن الهوى وهو من الأعمال العظيمة التي أمر الله بها رسله وأنبياءه والمؤمنين، ولما كان الترتيب الصحيح أن يبدأ الانسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بحال غيره أمر تعالى بأداء الأمانة أولاً ثم بعده بالأمر بالحكم بالحق.
و{ أَن تَحْكُمُواْ } ظاهره أن يكون معطوفاً على أن تؤدوا، وفصل بين حرف العطف والمعطوف بإِذا وقد ذهب إلى ذلك بعض أصحابنا وجعله كقوله:
{ { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً } [البقرة: 201]. { { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } [يس: 9]. { { سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } [الطلاق: 12] ففصل في هذه الآيات بين الواو والمعطوف بالمجرور وأبو علي يخص هذا بالشعر وليس هذا بصواب فإِن كان المعطوف مجروراً أعيد الجار نحو أمرر بزيد وغداً بعمرو ولكن قوله: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ليس من هذه الآيات لأن حرف الجر يتعلق في هذه الايات بالعامل في المعطوف، والظرف هنا ظاهره أنه منصوب بأن تحكموا ولا يمكن ذلك لأن الفعل في صلة أن ولا يمكن أن ينتصب بالناصب لأن تحكموا لأن الأمر ليس واقعاً وقت الحكم وقد خرجه على هذا بعضهم والذي يظهر أن إذا معمولة لأن تحكموا مقدرة وأن تحكموا المذكورة مبتدأ مفسرة لتلك المقدرة هذا إذا فرعنا على قول الجمهور، وأما إذا قلنا بمذهب الفراء فإِذا منصوبة بأن تحكموا هذه الملفوظ بها لأنه يجيز يعجبني العسل أن يشرب، فيقدم معمول صلة ان عليها.
{ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } تقدم الكلام على فنعما هي في البقرة.
{ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً } لأقوالكم الصادرة منكم في الأحكام.
{ بَصِيراً } برد الأمانات إلى أهلها. { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } الآية، قيل: نزلت في أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا قصة طويلة مضمونها ان عماراً أجاز رجلاً قد أسلم وقر أصحابه حين نذروا بالسرية فهربوا، وأقام الرجل وان أميرها خالداً أخذ الرجل وماله فأخبره عمار بإِسلامه وإجارته إياه فقال خالد: وأنت تجير فاسقا وارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير على أمير ومناسبتها لما قبلها أنه لما أمر الولاة أن يحكموا بالعدل أمر الرعية بطاعتهم.
{ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } هم كل من ولى ولاية صحيحة شرعية.
{ فَرُدُّوهُ } إلى كتاب الله وسؤال الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
{ ذٰلِكَ خَيْرٌ } أي الرد إلى الكتاب والسنة وخير وأحسن لا يراد بهما أفعل التفضيل، إذ لا خير ولا حسن في الرد إلى غير الكتاب والسنة، وتأويلاً معناه مالاً ومرجعاً.