التفاسير

< >
عرض

فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً
٨٤
مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً
٨٥
وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً
٨٦
ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً
٨٧
-النساء

النهر الماد

{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قيل: نزلت في بدر الصغرى دعا الناس إلى الخروج وكان أبو سفيان واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللقاء فيها فكره بعض الناس أن يخرجوا فنزلت، وخرج صلى الله عليه وسلم وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد ولو لم يخرج معه أحد لخرج معه ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر تثبيطهم عن القتال واستطرد من ذلك إلى أن الموت يدرك كل أحد ولو اعتصم بأعظم معتصم فلا فائدة في الهرب من القتال واتبع ذلك بما اتبع من سوء خطاب المنافقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلهم معه من إظهار الطاعة بالقول وخلافها بالفعل وبكتهم في عدم تأملهم ما جاء به الرسول من القرآن الذي فيه كتب القتال عليهم عاد إلى أمر القتال وهكذا إعادة كلام العرب تكون في شيء ثم تستطرد من ذلك إلى شيء آخر له به مناسبة وتعلق.
ومعنى: { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } أي لا تكلف في القتال إلا نفسك فقاتل ولوحدك. وقيل: المعنى إلا طاقتك ووسعك والنفس يعبر بها عن القوة، يقال: سقطت نفسه أي قوته. وقرأ الجمهور لا تكلف خبراً مبنياً للمفعول، قالوا: والجملة في موضع الحال ويجوز أن يكون إخباراً من الله لنبيه لا حالاً شرع له فيها أنه لا يكلف أمر غيره من المؤمنين إنما يكلف أمر نفسه فقط. وقرىء لا نكلف بالنون وكسر اللام ويحتمل وجهي الإِعراب الحال والاستئناف. وقرأ عبد الله بن عمر لا تكلف بالتاء وفتح اللام والجزم على جواب الأمر وأمره تعالى بحث المؤمنين على القتال وتحريك هممهم إلى قتال عدوهم وترغيبهم بما أعد الله لهم من حسن الجزاء وفضيلة الشهادة.
{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً } الآية، قال الزمخشري: الشفاعة الحسنة هي التي روعي فيها حق مسلم ودفع بها شر أو جلب إليه خبر وابتغى بها وجه الله تعالى ولم يؤخذ عليها رشوة وكانت في أمر جائز لا في حد من حدود الله ولا حق من الحقوق والسيئة ما كان بخلاف ذلك. "انتهى".
وهذا بسط ما قاله الحسن قال: الشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة والسيئة في المعاصي والكفل النصيب كقوله:
{ { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } [الحديد: 28] أي نصيبين. والظاهر أن من للسبب أي نصيب من الحيز بسببها وكفل من الشر بسببها وغاير في النصيب بذكره بلفظ الكفل في الشفاعة السيئة لأنه أكثر ما يستعمل في الشر وإن كان قد استعمل في الخير كما تقدم قبل. قالوا: وهو مستعار من كفل البعير وهو كساء يدار على سنامه ليركب عليه ويسمى كفلاً لأنه لم يعم الظهر بل بعضاً منه.
و{ مُّقِيتاً } مقتدراً، والمقيت الحافظ والشاهد. قيل: هو مشتق من القوت والقوت ما يحفظ به الإِنسان نفسه من التلف.
{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ } الظاهر إن التحية هنا السلام. ووزنها تفعلة لأنها مصدر حيا نقلت حركة الياء إلى الحاء وأدغمت الياء في الياء. والظاهر أن قوله: حييتم خطاب للمسلمين يسلم عليهم من هو مسلم، وظاهر الأمر من قوله: { فَحَيُّواْ } الوجوب فإِذا قال: سلام عليكم، رد بقوله: عليكم السلام ورحمة الله، أو يكتفي بقوله: عليكم السلام. وإذا زاد وبركاته فالأحسن أن يرد بمثل ذلك ولو اقتصر على قوله: وعليكم السلام كان جائزاً. وقوله:
{ أَوْ رُدُّوهَآ } على حذف مضاف تقديره فردوا مثلها.
{ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } الآية، مناسبتها لما قبلها انه لما فرض القتال وحكي عن المنافقين ما قالوا وأمر الرسول عليه السلام بالقتال وبتحريض المؤمنين عليه ذكر حديث الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة وتعليم رد السلام وأنه تعالى حسيب على ذلك أخبر بجمعه تعالى العالم في يوم القيامة للمجازاة وثواب الجهاد في سبيل الله تعالى، ولما ذكر الجمع مقسماً عليه أردفه بقوله: ومن أصدق، أي لا أحد أصدق من الله. وقرىء بإِخلاص الصاد وبإِشمامها الزاي وانتصب حديثاً على التمييز.