التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً
٩٧
إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً
٩٨
فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً
٩٩
-النساء

النهر الماد

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } الآية، روى البخاري عن ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا من المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم أو يضرب فيقتل فنزلت ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر ثواب من أقدم على الجهاد اتبعه بعقاب من قعد عن الجهاد وسكن في بلاد الكفر. قال ابن عباس: التوفي هنا قبض الأرواح. وقرىء توفاهم احتمل أن يكون ماضياً واحتمل أن يكون مضارعاً. وقرئ توفتهم وتوفاهم والملائكة هنا ظاهرة الجمع فيكون المتوفي ملك الموت وأعوانه كما قال تعالى: { { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [الأنعام: 61]. ولذلك جاء الضمير مجموعاً في قوله: قالوا فيم كنتم. وهذا الاستفهام معناه التوبيخ والتقريع والمعنى في أي شيء كنتم من أمر دينكم وقيل من أحوال الدنيا وجوابهم للملائكة اعتذار عن تخلفهم عن الهجرة وإقامتهم بدار الكفر وهو اعتذار غير صحيح والذي يظهر أن قولهم كنا مستضعفين في الأرض جواب لقوله: فيم كنتم. على المعنى لا على اللفظ لأن معنى فيم كنتم في أي حال مانعة من الهجرة كنتم قالوا: كنا مستضعفين، أي في حالة استضعاف في الأرض بحيث لا نقدر على الهجرة. وهو جواب كذب والأرض هنا أرض مكة وظاهر قوله: فتهاجروا. انه منصوب على جواب قوله: ألم تكن، أو مجزوماً معطوفاً على تكن.
{ مِنَ ٱلرِّجَالِ } جماعة كعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد، ومن النساء وجماعة كأمّ الفضل لبابة بنت الحارث أم عبد الله بن عباس، ومن الوالدان عبد الله بن عباس وغيره.
{ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } قال الزمخشري: صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان قال: وإنما جاز ذلك والجمل نكرات لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس بشيء بعينه كقوله: ولقد أمر على اللئيم يَسبُني. "انتهى". وهو تخريج ذهب إلى مثله بعض النحويين في قوله تعالى:
{ { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37] وهو هدم للقاعدة المشهورة ان النكرة لا تنعت إلا بالنكرة والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة والذي يظهر انها جملة مفسرة لقوله: المستضعفين، لأنه في معنى إلا الذين استضعفوا فجاءت بياناً وتفسيراً لذلك، لأن الإِستضعاف يكون بوجوه فيبين جهة الاستضعاف النافع في التخلف عن الهجرة وهي عدم استطاعة الحيلة وعدم اهتداء السبيل. والثاني مندرج تحت الأول لأنه يلزم من انتفاء القدرة على الحيلة التي يتخلص بها انتفاء اهتداء السبيل.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى مسلمي مكة بهذه الآية. فقال جندب بن ضمرة الليثي، ويقال جندع بالعين أو ضمرة بن جندب لبنيه: احملوني فإِني لست من المستضعفين وإني لأهتدي الطريق والله لا أبيت الليلة بمكة، فحملوه على سرير متوجهاً إلى المدينة وكان شيخاً كبيراً فمات بالتنعيم رضي الله عنه.