التفاسير

< >
عرض

قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
٢٧
قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ
٢٨
مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
٢٩
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ
٣٠
وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
٣١
هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
٣٢
مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ
٣٣
ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ
٣٤
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ
٣٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
٣٧
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ
٣٨
فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ
٣٩
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ
٤٠
وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
٤١
يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ
٤٢
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ
٤٣
يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ
٤٤
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ
٤٥

النهر الماد

{ قَالَ قرِينُهُ } لم تأت هذه الجملة بالواو بخلاف وقال قرينه قبله لأن هذه استؤنفت كما استؤنفت الجمل في حكاية التقاول في مقاولة موسى وفرعون فجرت مقاولة بين الكافر وقرينه فكان الكافر قال: رب هو أطغاني قال قرينه: ربنا ما أطغيته واما وقال قرينه فعطف للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول أعنى مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال له ومعنى ما أطغيته تنزيه لنفسه من أنه أثر فيه.
{ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } أي من نفسه لا مني فهو الذي استحب العمى على الهدى وكذب القرين بل أطغاه بوسوسته وتزينه.
{ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ } استئناف أيضاً مثل ما قال قرينه كان قائلاً قال ما قال الله تعالى فقيل قال لا تختصموا لدي أي في دار الجزاء وموقف الحساب.
{ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } لمن عصاني فلم أترك لكم حجة.
{ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } أي عندي فما أمضيته لا يمكن تبديله.
{ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ } تقدم الكلام عليه والمعنى لا أعذب من لا يستحق العذاب وانتصاب يوم بظلام.
قال الزمخشري: ويجوز أن ينتصب بنفخ كأنه قيل ونفخ في الصور يوم يقول: وعلى هذا يشار بذلك إلى يقوم يقول "انتهى".
هذا بعيد جداً قد فصل على هذا القول بين العامل والمعمول بجمل كثيرة ولا يناسب هذا القول فصاحة القرآن وبلاغته وهل امتلأت تقرير وتوقيف لا سؤال استفهام حقيقة لأنه تعالى عالم بأحوال جهنم وقيل السؤال والجواب من باب التصوير الذي يثبت المعنى أي حالها حال بين لو نطق الجواب لسائله لقال كذا وهذا القول يظهر أنها إذ ذاك لم تكن ملأى فقولها هل من مزيد سؤال ورغبة في الزيادة والاستكثار من الداخلين.
{ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } خطاب للمؤمنين ولكل أواب هو البدل من المتقين.
{ مَّنْ خَشِيَ } بدل بعد بدل تابع لكل قال الزمخشري: ولا يجوز أن يكون في حكم أواب وحفيظ لأن من لا يوصف به ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي "انتهى".
يعني بقوله في حكم أواب وحفظ أن يجعل من صفته وهذا حكم صحيح وأما قوله: ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي فالحصر فيه ليس بصحيح قد وصفت العرب بما فيه أل وهو موصول نحو القائم والمضروب ووصفت بذو الطائية وذات في المؤنث ومن كلامهم بالفضل ذو فضلكم الله به والكرامة ذات أكرمكم الله بها يريدون بالفضل الذي فضلكم والكرامة التي أكرمكم ولا يريد الزمخشري خصوصية الذي بل فروعه من المؤنث المثنى والمجموع على اختلاف لغات ذلك "انتهى". وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون نعتاً "انتهى".
لا يجوز لأن من لا ينعت بها وبالغيب حال من المفعول أي وهو غائب عنه وإنما أدركه بالعلم الضروري إذ كل مصنوع لا بد له من صانع.
{ ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ } أي سالمين من العذاب أو مسلماً عليكم من الله تعالى وملائكته.
{ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } أي يوم تقدر الخلود.
{ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } أي ما تعلقت به مشيئتهم من أنواع الملاذ والكرامات.
{ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } زيادة أو شىء مزيد على ما يشاؤون عند ربهم ونحوه ومزيد مبهم فقيل مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها وقيل تجلى الله تعالى لهم حتى يرونه.
{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ } الآية أي كثيراً أهلكنا قبلهم أي قبل قريش هم أشد منهم بطشاً لكثرة قوتهم وأموالهم والظاهر أن الضمير في فنقبوا عائد على كم أي دخلوا البلاد من أنقابها والمعنى طوفوا في البلاد وقيل نقروا وبحثوا والتنقيب التنقير والبحث نقبوا في البلاد من حذر الموت وجالوا في الأرض كل مجال وفنقبوا متسبب عن شدة بطشهم فهي التي أقدرتهم على التنقيب وقوتهم عليه ويجوز أن يعود الضمير في فنقبوا على قريش أي فنقبوا في أسفارهم في بلاد القرون فهل رأوا محيصاً حتى يؤملوه لأنفسهم ويدل على عود الضمير على أهل مكة قراءة ابن عباس وغيره فنقبوا بكسر القاف مشددة على الأمر لأهل مكة أي فسيحوا في البلاد وابحثوا.
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي في إهلاك تلك القرون.
{ لَذِكْرَىٰ } لتذكرة واتعاضاً لمن كان له قلب أي واع والمعنى لمن كان له عقل وعبر عنه بمحله ومن له قلب لا يعي كمن لا قلب له وقرأ الجمهور ألقى السمع مبنياً للفاعل والسمع نصب به أي أو أصغى بسمعه لهذه الأنباء الواعظة.
{ وَهُوَ شَهِيدٌ } أي حاضر الذهن متفطن لما أصغى إليه سمعه مفكر فيه فشهيد من المشاهدة وهو الحضور.
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } نزلت في اليهود تكذيباً لهم في قولهم انه تعالى استراح من خلق السماوات والأرض في ستة أيام يوم السبت واستلقى على العرش.
{ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } احتمل أن تكون جملة حالية واحتمل أن تكون استئنافاً واللغوب الإِعياء.
{ فَٱصْبِرْ } قيل منسوخ بآية السيف.
{ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } أي اليهود وغيرهم من الكفار قريش وغيرهم.
{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي فصل.
{ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } هي صلاة الصبح.
{ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } هي صلاة العصر وقيل غير ذلك.
{ وَٱسْتَمِعْ } أمر بالاستماع والظاهر أنه أريد به حقيقة الاستماع والمستمع له محذوف تقديره واستمع لما أخبر به من حال يوم القيامة وفي ذلك تهويل وتعظيم لشأن المخبر به كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ
"يا معاذ إسمع ما أقول لك ثم حدثه بعد ذلك وانتصب يوم بما دل عليه ذلك يوم الخروج" أي يوم ينادي المنادي يخرجون من القبور وقيل مفعول استمع محذوف تقديره نداء المنادى وقيل تقديره نداء الكافر بالويل والثبور وقيل لا يحتاج إلى مفعول إذ حذف اقتصاراً والمعنى كن مستمعاً ولا تكن غافلاً معرضاً وانتظر الخطاب لكل سامع وفي الحديث "أن ملكاً ينادي من السماء أيتها الأجسام الهامدة والعظام البالية والرمم الذاهبة هلموا إلى الحشر والوقوف بين يدي الله تعالى" .
{ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } وصفه بالقرب من حيث يسمع جميع الخلق قيل والمنادي إسرافيل عليه السلام بنفخ في الصور وينادى والمكان القريب هي صخرة بيت المقدس لقربها من السماء بثمانية عشر ميلاً.
{ يَوْمَ يَسْمَعُونَ } بدل من يوم ينادي والصيحة صيحة المنادى قيل يسمعون من تحت أقدامهم وقيل من تحت شعورهم وهي النفخة الثانية بالحق متعلق بالصيحة والمراد به البعث والحشر.
{ ذَلِكَ } أي يوم النداء والسماع.
{ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } من القبور وقيل الإِشارة بذلك إلى النداء أي ذلك النداء واتسع في الظرف فجعل خبراً عن المصدر ويوم بدل من اليوم الثاني وانتصب سراعاً على الحال من الضمير في عنهم والعامل تشقق.
{ ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } فصل بين الموصوف وصفته بمعمول الصفة وهو علينا أي يسير علينا وحسن ذلك لأجل كون الصفة فاصلة.
{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } هذا وعيد محض للكفار وتهديد لهم وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.
{ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } أي بمتسلط حتى تجبرهم على الإِيمان.
{ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } لأن من لا يخاف الوعيد لكونه غير مصدق بوقوعه لا يذكر إذ لا تنفع فيه الذكرى كما قال تعالى:
{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55] وختمت بقوله: { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ } كما افتتحت بـ { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } [ق: 1].