التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
١٩
ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٢٠
-الأنعام

النهر الماد

{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ } الآية، قال الكلبي: قال رؤساء مكة: يا محمد ما نرى أحداً يصدقك فيما تقول من أمر الرسالة ولقد سألنا اليهود والنصارى عنك فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فأرنا من يشهد لك أنك رسول الله كما تزعم، فأنزل الله هذه الآية. وقال الزمخشري: هنا الشىء أعم العام لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيقع على القديم والجوهر والعرض والمحال والمستقيم ولذلك صح أن يقال في الله عز وجل شىء لا كالأشياء، كأنك قلت: معلوم لا كسائر المعلومات، ولا يصح جسم لا كالأجسام. وأراد أي شىء أكبر شهادة فوضع شىء مكان شهيد ليبالغ في التعميم. "انتهى". وقال جهم بن صفوان: لا يطلق على الله لفظ شىء، وخالفه الجمهور في ذلك.
{ شَهَٰدةً } منتصب على التمييز. وقال ابن عطية: ويصح على المفعول بأن يحمل أكبر على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل. "انتهى". وهذا كلام عجيب لأنه لا يصح نصبه على المفعول ولأن أفعل من لا يشبه بالصفة باسم الفاعل، ولا يجوز في أفعل من أن يكون من باب الصفة المشبهة باسم الفاعل لأن بشرط الصفة المشبهة باسم الفاعل أن تؤنث وتثنى وتجمع وأفعل من لا يكون فيها ذلك وهذا منصوص عليه من النحاة، فجعل ابن عطية المنصوب في هذا مفعولاً وجعل أكبر مشبهاً بالصفة المشبهة وجعل منصوبة مفعولاً وهذا تخبيط فاحش ولعله يكون من الناسخ لا من المصنف.
{ قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُ } مبتدأ وخبر، فهي جملة مستقلة بنفسها لا تعلق لها من قبلها من جهة الصناعة الأعرابية بل قوله: { أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً } هو استفهام على جهة التقرير والتوقيف ثم أخبر بأن خالق الأشياء والشهود هو الشهيد بيني وبينكم، وانتظم الكلام من حيث المعنى فالجملة ليست جواباً صناعياً وإنما يتم ما قالوه لو اقتصر على قل الله وقد ذهب إلى ذلك بعضهم فأعربه مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما تقدم عليه والتقدير قل الله أكبر شهادة، ثم أضمر مبتدأ يكون شهيد خبراً له تقديره هو شهيد بيني وبينكم.
{ لأُنذِرَكُمْ } ولأبشركم فحذف المعطوف لدلالة المعنى عليه وقد صرح به في قوله:
{ لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ } [الكهف: 2]. واقتصر على الإِنذار لأنه في مقام تخويف لهؤلاء المكذبين بالرسالة المتخذين غير الله إلهاً والظاهر أن من في موضع نصب عطفاً على مفعول لأنذركم، والعائد على من ضمير منصوب محذوف، وفاعل بلغ ضمير يعود على أن القرآن أي ومن بلغه هو أي القرآن، ومن بلغه عام في العرب والعجم ويجوز أن يكون في موضع رفع عطفاً على الضمير المستكن في لأنذركم، وجاز ذلك للفصل بينه وبين الضمير بضمير المفعول وبالجار والمجرور أي ولينذر به من بلغه القرآن.
{ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ } قرىء: إنكم لتشهدون بصورة الإِيجاب فاحتمل أن يكون خبراً محضاً واحتمل الإِستفهام على تقدير حذف أداته ويبين ذلك قراءة الاستفهام، وهذا الاستفهام معناه التقريع لهم والتوبيخ والإِنكار عليهم، فإِن كان الخطاب لأهل مكة فالآلهة الأصنام فإِنهم أصحاب أوثان وإن كان لجميع المشركين فالآلهة كل ما عبد غير الله تعالى من وثن أو كوكب أو نار أو آدمي.
و{ أُخْرَىٰ } صفة لآلهة وصفة جمع ما لا يعقل كصفة الواحدة المؤنثة كقوله تعالى:
{ مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 18]، ولما كانت الآلهة حجارة وخشباً أجريت مجرى المفرد تحقيراً لها فوصفت بما توصف به المفردة وهو لفظة أخرى.
{ قُل لاَّ أَشْهَدُ } إلى آخره وما أبدع هذا الترتيب أمر أولا بأن يخبرهم أنه لا يوافقهم في الشهادة ولا يلزم من ذلك إفراد الله بالألوهية فأمر به ثانياً ليجتمع مع انتفاء موافقتهم إثبات الوحدانية لله تعالى ثم أخبر ثالثا بالتبرؤ من إشراكهم وهو كالتأكيد لما قبله.
{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } الآية، تقدم شرح الجملة الأولى في البقرة وشرح الثانية في هذه السورة.