التفاسير

< >
عرض

وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
١٥٦
ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٥٧
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥٨
-الأعراف

النهر الماد

{ وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } أي ما يحسن من نعمة وطاعة وغير ذلك وحسنة الآخرة هي الجنة لا حسنة دونها.
{ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } تعليل لطلب الغفران والرحمة. وقرأ الجمهور هدنا بضم الهاء من هاد يهود أي تبنا إليك، قاله ابن عباس: وقرأ زيد بن علي وأبو وجزة هدنا بكسر الهاء من هاد يهيد، إذا حرّك أي حركنا أنفسنا وجذبناها لطاعتك. قال الشاعر:

قد علمت سلمى وجاراتها أنى من الله لها هائد

أي مائل.
{ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ } الظاهر أنه استئناف اخبار عن عذابه ورحمته. ومفعول من أشاء محذوف تقديره أشاء إصابته به. وقرأ زيد بن علي والحسن وطاووس وعمرو بن فائد من أساء من الإِساءة وقرأ بها سفيان بن عيينة مرة واستحسنها وذكر أنّ الشافعيرحمه الله صحّف من أشاء بقوله: من أساء، ثم وجدت قراءة كما ذكرنا.
{ فَسَأَكْتُبُهَا } أي أقضيها وأقررها. والضمير عائد على الرحمة لأنها أقرب مذكور. وفهم المفسرون من قوله: الذين يتقون إلى آخر الأوصاف أن المتصفين بذلك هم أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ } الآية هذا من بقية خطابه تعالى لموسى عليه السلام وفيه تبشير له ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وذكر لصفاته وإعلام له أيضاً أنه ينزل كتاباً يسمى الإِنجيل ومعنى الاتباع الاقتداء به فيما جاء به اعتقاداً وقولاً وفعلاً. وجمع هنا بين الرسالة والنبوة لأن الرسالة في بني آدم أعظم شرفاً من النبوة أو لأنها بالنسبة إلى الآدمي والملك أعم فبدأ به. والأمي الذي هو على صفة أمة العرب إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. فأكثر العرب لا يكتب ولا يقرأ، وكونه عليه السلام أمياً من جملة المعجز. ومعنى يجدونه أي يجدون وصفه ونعته. قال ابن عباس: يأمرهم بالمعروف، أي بخلع الأنداد وبمكارم والأخلاق وصلة الرحم.
{ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي المستلذات ويبعد تفسيره هنا بالحلال.
{ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } وهي ما كانت العرب تستخبثه كالحية والعقرب والحشرات والدم والميتة ولحم الخنزير وما جاء في الشرع النهي عن أكله كذي مخلب من الطير وذي ناب من السباع وما أمر بقتله كالحدأة والغراب والفأرة والعقرب وغير ذلك.
{ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } تقدم تفسير الإِصْر في آخر البقرة.
{ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } هذا مثل لما كلفوا من الأمور الصعبة كقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب وإحراق الغنائم والقصاص حتماً من القاتل عمداً كان أو خطأً وترك الاشتغال يوم السبت وتحريم العروق في اللحم.
{ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ } أي أثنوا عليه ومدحوه. وقرىء وعزروه بالتخفيف. وقرىء: بزايين أي وعززوه. والنور القرآن، وهو على حذف مضاف أي أنزل مع نبوته لأن استنباءه كان مصحوباً بالقرآن مشفوعاً به.
{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } الآية لما ذكر تعالى لموسى عليه السلام صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر أنّ من أدركه وآمن به أفلح أمر تعالى نبيّه بإِشهار دعوته ورسالته إلى الناس كافة والدعاء إلى الإِيمان بالله وبرسوله وكلماته واتباعه ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة للإِنس والجن وتقتضيه الأحاديث النبوية والذي في موضع نصب على المدح أو رفع. وأجاز الزمخشري أن يكون مجروراً صفة لله تعالى وإن حيل بين الصفة والموصوف بقوله: إليكم جميعاً. وقال أبو البقاء: ويبعد أن يكون صفة لله تعالى أو بدلاً منه لما فيه من الفصل بينهما بإِليكم وبالحال، وإليكم متعلق برسول وجميعاً حال من ضمير إليكم. وقال الزمخشري: لا إله إلا هو، بدل من الصلة التي هي له ملك السماوات والأرض وكذلك يحيي ويميت، وفي لا إله إلا هو بيان للجملة لأن من ملك العالم كان هو الإِله على الحقيقة. وفي يحيي ويميت بيان لاختصاصه بالألوهية لأنه لا يقدر على الإِحياء والإِماتة غيره. "انتهى".
وإبدال الجمل من الجمل غير المشتركة في عامل لا نعرفه. وكان الزمخشري لاحظ أن كلاً من الجملتين يصح أن يكون صلة. والظاهر أن تكون هذه جملاً مستقلة من حيث الإِعراب وان كان متعلقاً بعضها ببعض من حيث المعنى.
{ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } الآية لما ذكر أن رسول الله أمرهم بالإِيمان بالله وبه وعدل عن ضمير المتكلم إلى الظاهر وهو التفات لما في ذلك من البلاغة فإِنه هو النبي السابق ذكره في قوله: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي وانه هو المأمور باتباعه الموجود بالأوصاف السابقة. والظاهر أن كلماته هي الكتب الإِلهية التي أنزلت على من تقدمه وعليه، ولما كان الإِيمان بالله تعالى هو الأصل يتفرع منه الإِيمان بالرسول والنبي بدأ به ثم اتبعه بالإِيمان بالرسول وبالنبي ثم اتبع ذلك بالإِشارة إلى المعجز الدال على نبوته وهو كونه أمياً وظهر عنه من المعجزات في ذاته ما ظهر من القرآن الجامع لعلوم الأولين والآخرين مع نشأته في بلد عار من أهل العلم لم يقرأ كتاباً ولم يخط ولم يصحب عالماً ولا غاب عن مكة غيبة تقتضي تعلماً.