التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٣٢
وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
٣٣
وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٤
وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
٣٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ
٣٦
لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٣٧
قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ
٣٨
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٣٩
وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ
٤٠
-الأنفال

النهر الماد

{ وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ } الآية، قائل ذلك النضر بن الحارث، وقيل: أبو جهل، رواه البخاري ومسلم. والإِشارة في أن كان هذا إلى القرآن أو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوحيد وغيره أو نبوته عليه السلام من بين سائر قريش. وتقدم الكلام على اللهم. وقرأ الجمهور هو الحق بالنصب جعلوا هو فصلاً. وقال ابن عطية: ويجوز في العربية رفع الحق على أنه خبر هو والجملة خبر كان. قال الزجاج: ولا أعلم أحداً قرأ بهذا الجائز وقراءة الناس إنما هي بنصب الحق. "انتهى". وقد قرأ بها الأعمش وزيد بن علي وهي جائزة في العربية. فالجملة خبر كان وهي لغة تميم يرفعون بعد هو التي هي فصل في لغة غيرهم. قال الزمخشري: فإِن قلت: ما فائدة قوله من السماء والأمطار لا تكون إلا منها؟ قلت: كأنه أراد أن يقال: فأمطر علينا السجيل وهي الحجارة المسومة للعذاب فوضع حجارة من السماء موضع السجيل، كما يقال: صبّ عليه مسرودة من حديد يريد درعاً. "انتهى". ومعنى جوابه أن قوله: من السماء، جاء على سبيل التوكيد كما أن قوله: من حديد، معناه التوكيد لأن المسرودة لا تكون إلا من حديد كما أن الأمطار لا تكون إلا من السماء. وقال ابن عطية: وقولهم أي الكفار: من السماء مبالغة وإغراق. "انتهى". والذي يظهر لي أن حكمة قولهم من السماء هي في مقابلتهم مجيء الأمطار من الجهة التي ذكر عليه السلام أنه يأتيه الوحي من جهتها أي أنك تذكر أنه يأتيك الوحي من السماء فأتنا بعذاب من الجهة التي يأتيك منها الوحي إذ كان يحسن أن يعبّر عن إرسال الحجارة عليهم من غير جهة السماء بقولهم: فأمطر علينا حجارة، وقالوا ذلك على سبيل الاستبعاد والاعتقاد أن ما أتى به ليس بحق.
{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } اللام في ليعذبهم لام الجحود. والنصب في الفعل بإِضمار أن بعد اللام، وتقدم الكلام عليها في آل عمران في قوله:
{ { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الآية: 179]. وقال ابن بزي: نزلت الجملة الأولى بمكة أثر قوله: بعذاب أليم، والثانية عند خروجه من مكة في طريقه إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون، والثالثة بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم. قال ابن عباس: لم تعذب أمة قط ونبيها فيها. "انتهى".
{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ } الآية أنظر إلى حسن مساق هاتين الجملتين لما كانت كينونته فيهم سبباً لانتفاء تعذيبهم أكد خبر كان باللام على رأي الكوفيين أو جعل خبر كان الإِرادة المنتفية على رأي البصريين وانتفاء الإِرادة للعذاب أبلغ من انتفاء العذاب ولما كان استغفارهم دون تلك الكينونة الشريفة لم يؤكد باللام بل جاء خبر كان قولهم: معذبهم فشتان ما بين استغفارهم وكينونته صلى الله عليه وسلم فيهم. والظاهر أن هذه الضمائر كلها في الجمل عائدة على الكفار. وقال ابن عباس أيضاً ما مقتضاه: أن الضميرين عائدان على الكفار وكانوا يقولون في دعائهم: غفرانك، ويقولون: لبيك لا شريك لك، ونحو هذا مما هو دعاء واستغفار فجعله الله تعالى أمنة من عذاب الدنيا.
{ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } الظاهر أن ما استفهامية أي أي شىء لهم في انتفاء العذاب وهو استفهام معناه التقرير أي كيف لا يعذبون وهم متصفون بهذه الحال المقتضية للعذاب وهي صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وليسوا بولاة البيت ولا متأهلين لولايته ومن صدهم ما فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وإخراجه مع المؤمنين داخل في الصد، كانوا يقولون: نحن ولاة البيت نصد من نشاء وندخل من نشاء.
{ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ } الآية، لما نفى عنهم أن يكونوا ولاة البيت ذكر من فعلهم القبيح ما يؤكد ذلك وان من كانت صلاته ما ذكر لا يستأهل أن يكونوا أولياءه، فالمعنى والله أعلم أن الذي يقوم به مقام صلاتهم هو المكاء والقصدية وضعوا مكان الصلاة، والتقرب إلى الله تعالى الصفير والتصفيق، وكانوا يطوفون بالبيت عراة رجالهم ونساؤهم مشبكين بين أصابعهم يصفرون ويصفقون يفعلون ذلك، إذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلطون عليه في صلاته وقراءته. ومكاء مصدر مكا يمكو وجاء على فعال ويكثر فعال في الأصوات كالصراخ.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ } الآية نزلت في نفقة المشركين الخارجين إلى بدر كانوا ينحرون يوماً عشراً من الإِبل ويوماً تسعاً وقيل غير ذلك.
{ لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } هذا إخبار بما يؤول إليه حال الكفار في الآخرة من حشرهم إلى جهنم إذ أخبر بما آل إليه حالهم في الدنيا من حسرتهم وكونهم مغلوبين. ومعنى قوله: والذين كفروا من وافى على الكفر، وأعاد الظاهر لأن من أنفق ماله من الكفار أسلم منهم جماعة ولام ليميز متعلقة بقوله: يحشرون. والخبيث والطيب وصفان يصلحان للآدميين، والخبيث هم الكفار، والطيب هم المؤمنون، وبعضه بدل من الخبيث أي ويجعل بعض الخبيث على بعض فيركمه أي يضمه. وأولئك إشارة إلى الذين. والخبيث اسم جنس لوحظ أولاً إفراده في قوله: بعضه، وفي قوله: فيركمه، ولوحظ ثانياً جمعه في قوله: أولئك هم الخاسرون.
{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } الآية لما ذكر ما يحل بهم من حشرهم إلى النار وجعلهم فيها وخسرهم تلطف بهم وانهم إذا انتهوا عن الكفر وآمنوا غفرت لهم ذنوبهم السالفة وليس ثم ما يترتب على الانتهاء عنه غفران الذنوب سوى الكفر فلذلك كان المعنى وأن ينتهوا عن الكفر ويسلموا. وللام في للذين الظاهر أنها للتبليغ وانه أمر أن يقول لهم هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ الجملة المحكية بالقول وسواء أقاله بهذه العبارة أم غيرها.
{ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ } العود يقتضي الرجوع إلى شىء سابق ولا يكون الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه، فالمعنى عودهم إلى ما أمكن انفصالهم عنه وهم الإِرتداد بعد الإِسلام وجواب الشرط. قالوا: فقد مضت سنة الأولين، ولا يصح ذلك على ظاهره بل ذلك دليل على الجواب. والتقدير وان يعودوا انتقمنا منهم وأهلكناهم فقد مضت سنة الأولين في انا انتقمنا منهم وأهلكناهم بتكذيب أنبيائهم وكفرهم.
{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في البقرة وهنا زيادة، كله توكيداً للدين.
{ فَإِنِ انْتَهَوْاْ } أي عن الكفر. ومعنى بصير بإِيمانهم فيجازيهم على ذلك ويثيبهم.
{ وَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عن الإِسلام والمخصوص بالمدح محذوف تقديره ونعم النصير الله تعالى.