التفاسير

< >
عرض

وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤١
إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
٤٢
إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٤٣
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ
٤٤
-الأنفال

النهر الماد

{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ } الآية، قال الواقدي: كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من الهجرة.
{ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } قال ابن عباس وجماعة: خمسة استفتاح كلام كما يقول الرجل لعبده: أعتقك الله، وأعتقتك على جهة التبرك وتفخيم الأمر والدنيا كلها لله تعالى وقسم الله وقسم الرسول واحد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة أقسام. والظاهر أن ما موصولة، وغنمتم صلة ما، والعائد محذوف، ومن شىء تفسير لما انبهم في لفظ ما أريد بها العموم فلذلك دخلت الفاء في خبر ان لتضمن العموم معنى الشرط وان لله في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي فالحكم ان لله خمسه. وأجاز الفراء أن تكون ما شرطية منصوبة بغنمتم، واسم انّ ضمير الشأن محذوف تقديره انه وحذف هذا الضمير مع أن المشددة مخصوص عند سيبويه بالشعر. وتقدم الكلام على ذوي القربى وما بعدها بالبقرة وظاهر العطف يقتضي التشريك فلا يحرم أحد.
{ وَمَآ أَنزَلْنَا } معطوف على بالله ويوم الفرقان يوم بدر بلا خلاف فرق الله فيه بين الحق والباطل. والجمعان: جمع المؤمنين وجمع الكافرين. والمنزل: الآيات والملائكة والنصر. وختم بصفة القدرة لأنه تعالى أدال المؤمنين أي نصرهم على قلتهم على الكافرين على كثرتهم ذلك اليوم.
{ إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا } العدوة شط الوادي وتسمى شفيراً وضفّة سميت بذلك لأنها عدت ما في الوادي من ماء أي منعته أن يتجاوزه. قال الشاعر:

عدتني عن زيارتها العوادي وحالت دونها حرب زبون

ويسمى الفضاء المساير للوادي عدوة للمجاوزة. وقرىء: بالعدوة بكسر العين وبضمّها. ومعنى الدنيا: القربى، والقصوى: البعدى. وثبوت الواو في القصوى شاذ في القياس فصيح في الاستعمال. والقياس القصيا بالياء وقد قاله بعض العرب لأن الفعلي من ذوات الواو تقلب ياء كالدنيا من الدنو والعليا من العلو والمدينة من الوادي من موضع الوقعة منه في الشرق وبينهما مرحلتان. وقرىء أسفل بالنصب منصوباً على الظرف وهو في موضع الخبر للمبتدأ قبله وأصله وصف لموصوف محذوف تقديره والركب مكاناً أسفل منكم أي في مكان. وقرىء: أسفل بالرفع اتسع في الظرف، فجعل خبراً للمبتدأ قبله وذلك ان العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضاً لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي الأرض اللينة التي تغوص فيها الأقدام ولا يمشي فيها إلا بتعب ومشقة وكانت العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم.
{ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ } كان الإلِتقاء على غير ميعاد. قال مجاهد: أقبل أبو سفيان وأصحابه تجاراً من الشام ولم يشعروا بأصحاب محمد ولا بأصحاب بدر ولم يشعر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بكفار قريش ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه حتى التقوا على ماء بدر لتستقي ركابهم فاقتتلوا فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأسروهم.
{ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً }. أي ولكن تلاقيتم على غير ميعاد ليقضي الله أمراً من نصر دينه وإعزاز كلمته وكسر الكفار وإذلالهم كان مفعولاً أي موجوداً متحققاً واقعاً.
{ لِّيَهْلِكَ } بدل من ليقضي فيتعلق بمثل ما تعلق به ليقضي. والظاهر أن المعنى ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم عن بيان من الله تعالى وإعذار بالرسالة ويعيش من يعيش عن بيان منه وإعذار لا حجة لأحد عليه. وقرىء: حيي بياءين على الفكّ وحى بالإِدغام.
{ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتظاهرت الروايات أنها رؤيا منام رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الكفار قليلاً فأخبر بها أصحابه فقويت نفوسهم وشجعت على أعدائهم، وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين انتبه: أبشروا لقد نظرت إلى مصارع القوم. والمراد بالقلة قلة القدر والبأس والنجدة، وانهم مهزومون مصروعون، ولا يحمل على قلة العدد لأنه صلى الله عليه وسلم رؤياه حق وقد كان علم أنهم ما بين تسع مائة إلى الألف فلا يمكن حمل ذلك على قلة العدد. وانتصب قليلاً على أنه مفعول ثالت ليرى. والأول هو ضمير الخطاب، والثاني ضمير الغيبة، وكثيراً مفعول ثالث لأرى. والأول ضمير الخطاب، والثاني ضمير الغيبة أجريت الحلمية مجرى أعلمت فتعدت إلى ثلاثة مفاعيل، وجواز حذف هذا المنصوب يبطل هذا المذهب تقول: رأيت زيداً في النوم، وأرى الله زيداً في النوم، قال الزمخشري: انتصب قليلاً على الحال. وما قاله ظاهر لأن أرى منقولة بالهمزة من رأى البصرية فتعدت إلى اثنين الأول كاف الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني ضمير الكفار فقليلاً وكثيراً منصوبان على الحال.
{ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } أي تفرقت آراؤكم في أمر القتال فكان يكون ذلك سبباً لانهزامكم وعدم إقدامكم على قتال أعدائكم، لأنه لو رآهم كثيراً أخبركم برؤياه ففشلتم، ولما كان عليه السلام محمياً من الفشل معصوماً من النقائص أسند تعالى الفشل إلى من يمكن ذلك في حقه، فقال تعالى: لفشلتم، وهذا من محاسن القرآن.
{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ } من الفشل والتنازع والاختلاف بإِراءته له عليه السلام الكفار قليلاً فأخبرهم بذلك.
{ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ } الآية، هذه الرؤية يقظة لا منام، وقلل الكفار في أعين المؤمنين تحقيراً لهم ولئلا يجبنوا عن لقائهم. وقال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جانبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. وقلل المؤمنون في أعين الكفار حتى قال قائل منهم: إنما هم أكلة جزور. وذلك قبل الإِلتقاء بهم ليجترؤا على المؤمنين فتقع الحرب ويلتحم القتال إذ لو كثروا قبل اللقاء لأحجموا وتحيلوا في الخلاص أو استبعدوا واستنصروا.