التفاسير

< >
عرض

كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ
٨
ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩
لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ
١٠
فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
١١
وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ
١٢
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ
١٣
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ
١٤
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٥
-التوبة

النهر الماد

{ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } الآية، الظاهر أن الفعل المحذوف الذي بعدها هو من جنس أقرب مذكور لها وحذف للعلم به في كيف السابقة والتقدير فكيف يكون لهم عهد وحالهم هذه. والواو للحال، ومعنى يظهروا يغلبوا. وجواب الشرط لا يرقبوا. وقال الشاعر في حذف الفعل بعد كيف:

وخبرتماني انما الموت بالقرى وكيف وهاتان هضبة وكثيب

أي فكيف مات وليس في قرية.
الأل: الحلف. والذمة: العهد وقال أبو عبيدة: الأمان. والاباء: مخالفتهُ للقلب لما يجري على اللسان من القول الحسن.
{ ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } الظاهر عود الضمير على من قبله من المشركين المأمور بقتلهم، ويكون المعنى اشتروا بالقرآن وما تدعو إليه من الإِسلام ثمناً قليلاً، وهو اتباع الشهوات والأهواء لما تركت دين الله وآثرت الكفر كان ذلك كالشراء والبيع.
{ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } هذا تنبيه على الوصف الموجب للعداوة وهو الإِيمان. ولما كان قوله: لا يرقبوا فيكم، يتوهم أن ذلك مخصوص بالمخاطبين، نبه على علة ذلك وان سبب المنافاة هو الإِيمان.
{ وَأُوْلَـٰئِكَ } أي الجامعون لتلك الأوصاف الذميمة.
{ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } المتجاوزون الحد في الظلم والشر ونقص العهد.
{ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } أي فإِن تابوا عن الكفر ونقض العهد والتزموا أحكام الإِسلام.
{ فَإِخْوَٰنُكُمْ } أي فهم إخوانكم والاخوان والاخوة جمع أخ من نسب أو دين.
{ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي نبيّنها ونوضحها، وهذه الجملة اعتراض بين الشرطين من قوله: فإِن تابوا. وقوله: وإن نكثوا، بعثاً وتحريضاً على تأمل ما فصّل تعالى من الأحكام. وقال: لقوم يعلمون، لأنه لا يتأمل تفصيلها إلا من كان من أهل العلم والفهم.
{ وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم } أي وإن نقضوا عهدهم من بعد ما تعاهدوا وتحالفوا على أن لا ينكثوا.
{ وَطَعَنُواْ } أي عابوه وسلبوه واستنقصوه. والطعن هنا مجاز وأصله الإِصابة بالرمح أو العود وشبهه. والظاهر أن هذا الترديد في الشرطين هو في حق الكفار أصلاً لا في من أسلم ثم ارتد فيكون قوله:
{ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } أي رؤساء الكفار وزعماءه. والمعنى: فقاتلوا الكفار، وخص الأئمة بالذكر لأنهم هم الذين يحرضون الاتباع على البقاء على الكفر.
{ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ } الا حرف عرض ومعناه الحض على قتالهم ولما أمر تعالى بقتال أهل الكفر اتبع ذلك بالسبب الذي يبعث على مقاتلتهم وهو ثلاثة أشياء جمعوها، وكل واحد منها على انفراده كاف في الحض على مقاتلتهم. ومعنى نكثوا إيمانهم نقض العهد. قال السدي وجماعة: نزلت في كفار مكة نكثوا ايمانهم بعد عهد الحديبية، وأعانوا بني بكر على خزاعة. "انتهى".
{ وَهَمُّواْ } هو همّ قريش.
{ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } عليه السلام من مكة حين تشاوروا بدار الندوة فأذن الله تعالى في الهجرة فخرج بنفسه وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم أولاً بالكتاب المنير وتحداهم به فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال بهم البادئون والبادىء أظلم.
{ أَتَخْشَوْنَهُمْ } تقرير للخشية منهم وتوبيخ عليها.
{ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } فتقتلوا أعداءه. ولفظ الجلالة مبتدأ وخبره أحق وان تخشوه بدل من الله، أي وخشية الله أحق من خشيتهم فإِن تخشوه في موضع رفع، ويجوز أن يكون في موضع نصب أو جر على الخلاف إذا حذف حرف الجر وتقديره بأن تخشوه أي أحق من غيره بأن تخشوه. وجوز أبو البقاء أن يكون أن تخشوه مبتدأ، وأحق خبره قدم عليه. وأجاز ابن عطية أن يكون أحق مبتدأ وخبره ان تخشوه، والجملة خبر عن الأول وحسن الابتداء بالنكرة لأنها أفعل التفضيل.
{ قَاتِلُوهُمْ } لما تقدم الحض على القتال في قوله: الا تقاتلون، أمر به هنا فقال: قاتلوهم.
{ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ } أي بالقتل والنهب وسبي الذرية.
ونص على قوله: { بِأَيْدِيكُمْ } على أنهم هم الذين يعذبونهم.
{ وَيُخْزِهِمْ } يهنهم ويذلهم.
{ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } يعينكم على قتلهم.
وجاء التركيب { صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } ليشمل المخاطبين وكل مؤمن، وإذهاب الغيظ بمآل الكفار من المكروه. وهذه الجملة كالتأكيد للتي قبلها. والضمير المجرور في قلوبهم عائد على قوم. وقرأت فرقة: ويذهب فعلاً لازماً. غيظ فاعل به. وقرأ زيد بن علي كذلك إلا أنه رفع الباء. وقرىء: ويتوب الله رفعاً، وهو استئناف اخبار بأن بعض أهل مكة وغيرهم يتوب عن كفره وكان كذلك أسلم عالم كثيرون وحسن إِسلامهم. وقرأ زيد بن عليّ ويعقوب وجماعة: ويتوب، بنصب الباء جعله داخلاً في جواب الأمر من طريق المعنى. قيل: ويمكن أن تكون التوبة داخلة في الجزاء. قال ابن عطية: ويتوجه ذلك عندي إذا ذهب إلى أن التوبة يراد بها هاهنا ان قتل الكافرين والجهاد في سبيل الله هو توبة لكم أيها المؤمنون وكمال لايمانكم فتدخل التوبة على هذا في شرط القتال. "انتهى". وهذا الذي قدره من كون التوبة تدخل تحت جواب الأمر هو بالنسبة إلى المؤمنين الذين أمروا بقتال الكفار، والذي يظهر ان ذلك بالنسبة إلى الكفار فالمعنى على من يشاء من الكفار وذلك أن قتال الكفار وغلبة المسلمين إياهم قد ينشأ عنها إسلام كثير من الناس وإن لم يكن لهم رغبة في الإِسلام ولا داعية قبل القتال ألا ترى إلى قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة كيف كان سبباً لإِسلامهم لأن الداخل في الإِسلام قد يدخل فيه على بصيرة. وقد يدخل على كره واضطرار ثم قد يحسن حاله في الإِسلام.