التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ
٤٦
لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ
٤٧
لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
٤٨
وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ
٤٩
-التوبة

النهر الماد

{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ } الآية، قال ابن عباس: عدة من الماء والزاد والراحلة، لأن سفرهم بعيد وفي زمان حر شديد. وفي تركهم العدة دليل على أنهم أرادوا التخلف.
{ وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } الآية، قال الزمخشري: فإِن قلت: كيف موقع حرف الاستدراك؟ قلت: لما كان قوله: ولو أرادوا الخروج، معطياً معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو، قيل: ولكن كره الله انبعاثهم، كأنه قيل: ما خرجوا ولكنهم تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم، كما تقول: ما أحسن إليّ زيد ولكن أساء إليّ. "انتهى".
وليست الآية نظيرة هذه المثال لأن المثال واقع فيه لكن بين ضدين، والآية لكن واقع فيها بين متفقين من جهة المعنى. والانبعاث: الانطلاق والنهوض. قال ابن عباس: فثبطهم كسلهم وفتّر نيّاتهم.
{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } الآية، لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع وضرب عبد الله بن أبيّ عسكره أسفل منها ولم يكن باقل العسكرين، فلما سار تخلف عنه عبد الله فيمن تخلف فنزلت.
والخبال قال ابن عباس: الفساد ومراعاة إخماد الكلمة. وتقدم شرح الخبال في آل عمران. وهذا الاستثناء متصل وهو مفرغ إذ المفعول الثاني لزاد لم يذكر. وقد كان في هذه الغزوة منافقون كثير ولهم لا شك خبال، فلو خرج هؤلاء لتألبوا فزاد الخبال.
{ ولأَوْضَعُواْ } الإِيضاع: الاسراع قال الشاعر:

أرانا موضعين لأمر غيب ونسحر بالطعام والشراب

ومفعول أوضعوا محذوف تقديره ولا وضعوا ركائبهم بينكم، لأن الراكب أسرع من الماشي. والخلال: جمع خلل وهو الفرجة بين الشيئين، وجلسنا خلال البيوت وخلال الدور أي بينها. ويبغون حال، أي باغين. والفتنة هي الكفر.
{ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } قال الزمخشري: أي نمامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم، أو فيكم قوم يسمعون للمنافقين ويطيعونهم. "انتهى". فاللام في القول الأول: للتعليل، وفي الثاني: التقوية التعدية، كقوله تعالى:
{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود: 107]. والقول الأول قاله سفيان بن عيينة والحسن ومجاهد وابن زيد قالوا: معناه جواسيس يستمعون الاخبار وينقلونها إليهم. ورجحة الطبري.
والقول الثاني قول الجمهور قالوا: معناه وفيكم مطيعون سماعون.
{ لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ } الآية، تقدم ذكر السبب في نزول هذه الآية والتي قبلها من قصة رجوع عبد الله بن أبيّ بأصحابه في هذه الغزاة حقر شأنهم في هذه الآية، وأخبر أنهم قد يماسعوا على الإِسلام فأبطل الله سعيهم. قال ابن عباس: بَغَوْالك الغوائل. وقال ابن جريج: وقف اثنا عشر رجلاً من المنافقين على الثنية ليلة العقبة كي يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى من قبل، أي من قبل هذه الغزوة، وذلك ما كان من حالهم وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجوعهم عنه في أُحد وغيرها، وتقليب الأمور هو تدبيرها ظهر البطن والنظر في نواحيها وأقسامها والسعي بكل حيلة.
{ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ } أي القرآن وشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظة جاء مشعرة بأنه كان قد ذهب.
{ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } وصفه بالظهور لأنه كان كالمستور، أي غلب وعلا دين الله تعالى.
{ وَهُمْ كَارِهُونَ } أي لمجيء الحق وظهور دين الله.
{ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي } الآية،
"نزلت في الجد بن قيس ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بالغزو إلى بلاد الروم حرّض الناس فقال للجد بن قيس المنافق: هل لك العام في جلاد بني الأصفر. وقال له وللناس: اغزوا تغنموا بنات الأصفر. فقال الجد: إئذن لي في التخلف ولا تفتني بذكر بنات الأصفر فقد علم قومي أني لا أتمالك عن النساء إذا رأيتهن" . ومعنى ولا تفتني بالنساء هذا قول ابن عباس، والفتنة التي سقطوا فيها هي فتنة التخلف وظهور كفرهم ونفاقهم. ولفظة سقطوا تنبىء عن تمكن وقوعهم فيها.