التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٠٤
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
١٠٥
-يونس

تيسير التفسير

{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ } أَهل مكة وأَل للعهد وهم المعهودون لأَن الشمس النبوية طلعت من بينهم ويجوز أَن يكون أَل للجنس فيكون المراد المكلفين من أَهل مكة وغيرهم قريش وغيرهم الحاضرين والغائِبين من وجد ومن سيوجد، والأَول أَولى لأَن أَصل الخطاب أَن يكون للموجودين الحاضرين وغيرهم مستفاد من النص الآخر العام { إِنْ كُنْتُمْ فِى شَكٍّ مِنْ دِينِى } فى شك من كون دينى حقا قولا وفعلا واعتقادا، ومن بمعنى فى متعلق بشك وقال فى شك مع أَنهم فى جزم من بطلان الدين للإِشارة إِلى أَنهم عارفون الحق وجحدوه، كما يخاطب الجازم خطابا بصورة الشك تثبيتا، أَو كأَنهم عرفوه لظهور دلائِله وإِن أَقصى ما يبقى للعاقبل إِذا قصر أَن يشك، وأَما الجزم فعناد محض ولا سبيل إِليه أَلبتة { فَلاَ أَعْبُدُ } أَى فأَنا لا أَعبد وإِنما قدرت ذلك لأَن لا أَعبد يصلح شرطا، فلو كان وحده جوابا لجزم وسقط الفاءُ وليس تقدير كقولك فهذه خلاصة دينى اعتقادا وعملا فاعرضوها على العقل الصرف وانظروا فيها بعين الإِنصاف لتعلموا صحتها جوابا أَولى من كون لا أَعبد إِلخ جوابا فإِن كلا من قوله لا أَعبد الذين تعبدون من دون الله ولا أَترك دينى أَبدا كما قال " { لا أَعبد ما تعبدون } "[الكافرون: 2] إِلخ { الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ } وهم الأَصنام وهى لا تقدر على الإِحياءِ ولا التوفى، وقال الذين مجاراة لهم فى الخطاب إِذ يجعلونها كالعقلاءِ { وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ } فيجازيكم فإِن المحيى المميت هو الحقيق بأَن يعبد، والحاصل إِن كنتم فى شك من دينى الذى أَعبد الله تعالى به وأَدعوكم وغيركم إِليه ولم تعلموا به فإِنى أُخبركم أَنه تخصيص العبادة به تعالى أَو إِن كنتم فى شك من صحة دينى فإِنى أُخبركم بأَن خلاصته عبادة الإِله الذى يملك الإِماتة لا مالا قدرة له على شىءٍ كأَصنامكم والمقام لذلك لا لما قيل من أَن المعنى إِن شككتم أَأَتركه إِلى دينكم أَو إِلى غيره فاقطعوا طمعكم فى تركه، وصح لكثرة ذكر الإِماتة مقرونة بالبعث أَن يقال المعنى أَعبد الذى خلقكم ثم يتوفاكم ثم يعيدكم للجزاءِ، فاقتصر على ذكر بعض وخص التوفى بالذكر مع أَنه هو المحيى أَيضا للتهديد إِذ لا شىءَ أَشد عليهم من الموت، ولذلك خاطبهم خصوصا ولم يقل أَعبد الله الذى يتوفى الأَحياءَ، وقد ذكر ترك عبادة غيره على ذكر عبادته لأَن التخلى قبل التحلى { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أَى بأَن أَكون ممن آمن بالوحى وبما أَدى إِليه العقل مما يكون العقل فيه حجة وهذا أَمر بأَصل الإِيمان وذكر الأَمر بالاستغراق فى نور الإِيمان بقوله:
{ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } فإِن المعنى أَعرض بالكلية عما سواه فإِنه هو المراد بإِقامة الوجه، فإِن من أَراد أَن ينظر إِلى شىءٍ نظر استقامة أَو باستقبال يقيم وجهه إِلى سمت لا يميل يمينا ولا شمالا ولا فوق ولا تحت وإِلا اختلت المقابلة المرادة، وذلك استعارة تمثيلية أَو كناية، والوجه على ظاهره أَو بمعنى الذات، وقيل المعنى صرف العقل بالكلية إِلى طلب الدين، وقيل المراد استقبال القبلة فى الصلاة، وعلى هذا المراد بالدين خصوص الصلاة مجازا وهو غير متعارف سواءٌ جعلنا التجوز لأَنها جزءٌ من الدين، أَو أَنها سميت هكذا باسم الدين مع أَنه لا يتعارف أَقم بمعنى وجه للقبلة وحنيفا حال من الدين أَو الوجه والأَول أَولى للقرب ولأَنه حال من صاحب الدين فى غير هذه الأَوجه ولأَن كونه من الوجه يوجب كونه حنيفا فى وقت إِقامته، والظاهر أَنه حنيف بعد الإِقامة، والحال مؤكدة فى الوجهين لا فى الثانى خاصة كما قيل وبعض المعطوف محذوف أَى وأُوحى إِلى أَن أَقم وأَن مفسرة وليس العطف على أَن أَكون إِلخ، وإِلا لزم أَن تكون معه مصدرية لأَنها فى المعطوف عليه مصدرية ولزم دخول الباءِ على الأَمر، والمصدرية لا تكون فى الأَمر لأَنه مصدر للأَمر خارجيا ولو أَجازه سيبويه وإِذا أُول بالمصدر هو غير طلبى زال معناه الطلبى { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } تأْكيد لما قبله أُو أُريد به خصال الإِشراك كالرثاءِ والسمعة والالتفات إِلى الوسائل والالتفات إِلى غير الله وغير ذلك من أَنواع الشرك الخفى، والعطف على أَقم وأَن تفسيرية، وحرف المصدر لا يدخل على النهى إِذ لا مصدر له خارجى.