التفاسير

< >
عرض

هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٣٠
-يونس

تيسير التفسير

{ هُنَالِكَ } فى ذلك المقام المهول المدهش أَى المكان الحقيق وهو أَرض الموقف أَو الشأْن، وهو مكان مجازا ويجوز أَن تكون ظرف مكان أَى فى ذلك اليوم على الاستعارة كقوله هنالك ابتلى المؤمنون وقدم هنالك لتقديم المقام { تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ } تختبر كل نفس مؤمنة أَو كافرة ما قدمت من خير أَو شر، ويجوز أَن يراد المشركون خاصة ووجه الاختبار أَن النفس قد تنسى فتترقب ما لها أَو عليها فذلك الترقب كالاختبار، أَو تبلو مجاز عن تعرف لأَن الاختبار سبب للمعرفة وملزوم لها، ومعرفة ما أَسلفت من العمل معرفة لجزائِه من خير أَو شر، أَو يقدر مضاف أَى جزاءَ مَا أَسلفت أَو ما أَسلفت هو الجزاءُ، لأَن تقديم موجبه فى الدنيا تقديم له { وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ } عطف على تبلو والضميران لكل نفس والجمع باعتبار أَن الرد على طريق الاجتماع لا كل نفس على حدة، رد الذين أَشركوا إلى جزاءِ الله والرد معنوى أَو ردوا إِلى موضع جزاءٍ الله فالرد حسى وأُضيف المولى إِليهم باعتبار أَنه مآلهم يردون إِليه للعقاب، رد العبد العاصى إِلى مولاه ليضربه ويسجنه مثلا، وإِذا قيل ليس الله مولى لهم فمعناه أَنه لا ينصرهم فلا منافاة بين قوله مولاهم الحق وقوله تعالى: { { إِن الكافرين لا مولى لهم } [محمد: 11]، لأَن معنى الآية فى كل واحدة غيره فى الأُخرى ولا يصح القول عن السدى، أَن الأُولى منسوخة بالثانية، لأَن الإِخبار لا يدخله النسخ ولأَنه لا بد أَن الله مولى الذين آمنوا فى نفعهم وأَنه لابد أَنه غير مولى للذين كفروا فى نفعهم فى الآخرة وأَمر الدين ووصفه بالحق رداً عليهم فى اتخاذ الآلهة الباطلة التى ليست بحق التى لا تتولى أَمرهم وإِنما متولى أَمرهم الله { وَضَلَّ عَنْهُمْ } الضمير للمشركين خاصة فى الموقف فلا ينافى قوله عز وجل: { { إِنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [الأنبياء: 98]، ولا وجه للتوقف فى الأَصنام هل تبقى بعد إِحضارها أَو تفنى مع هذه الآية ويظهر لى أَنها تعقل فى المحشر وتنطق بإِذن الله عز وجل، ثم يزال عقلها ونطقها كحالها قبل، وتدخل معهم النار يعذبون بها ويستحسرون بها { مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } يثبتونه آلهة على الكذب ويجوز أَن يراد بالضلال عدم النفع أَو المعنى ضل عنهم كونهم يفترون أَن آلهتهم تشفع لهم.