التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٩
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٠
وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١١
-يونس

تيسير التفسير

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ } يرشدهم { بِإِيمَانِهِمْ } بسبب إِيمانهم، أَى توحيدهم، إِلى زيادة الإِيمان والعمل الصالح والتقوى، وإِلى إِدراك الحقائِق كما قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإِنه بنور الله يبصر" . وقال صلى الله عليه وسلم: " من عمل بما علم أَورثَه الله علم ما لم يعلم" ، أَو يهديهم ربهم لما يريدونه من الجنة وأَنواع نعمها ومرافقة الأَنبياءِ، أَو يهديهم إِلى مأْواهم ومقعدهم وهو الجنة، إِذا خرج المؤمن من قبره أَضاءَ له عمله فيقول: من أَنت؟ فيقول: أَنا عملك فيقوده إِلى الجنة ماكثا معه فى المحشر يسعى نورهم بين أَيديهم. والكافر يكون عمله ظلمة تصاحبه حتى تدخله النار، أَو يهديهم عملهم بعد دخول الجنة إِلى منازلهم بعينها كأَنهم يعرفونها، والتوحيد هو الأَصل، والعمل الصالح والتقوى مرتبان عليه ولا ينفع بدونهما { تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمُ } أَى قريباً منهم وهم عالون بأَجسامهم وقصورهم، وهذه الأَنهار تجرى من تحتهم أَو تحت أَشجارهم وقصورهم { الأَنْهَارُ فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا } دعاؤُهم أَى منطوقهم فيها { سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } أَى الذى يقولونه بدل ما يلغى به فى الدنيا هو سبحانك اللهم، أَى هذا اللفظ أَو عبادتهم فيها هذا اللفظ، يقولونه تلذذا لا تكليفاً كما جاءَ فى الحديث:" "إِنهم يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس" . رواه مسلم، أَو عبادتهم مضمون سبحانك اللهم من أَنواع الأَذكار لا خصوص هذا اللفظ بلا مشقة. أَو دعاؤهم طلبهم إِذا أَرادوا شيئاً قالوا فى قلوبهم أَو بأَلسنتهم سبحانك اللهم فيحضر ما خطر فى قلوبهم، أَو يقولونه، كلما رأَوا أَمراً عجيباً من قدرة الله تعالى فى طعامهم وشرابهم وسائِر منافعهم. أَو نداؤُهم فإِن لفظ اللهم نداءٌ، ويجوز على بعد أَن يكون ذلك نفياً للتكليف بالعبادة كأَنه قيل إِن كان عليهم تكليف فهو قولهم سبحانك اللهم، وليس تكليفاً لأَنهم يقولونه سهلا كخروج النفس من الحلقوم أَو غير ذلك من المعانى السابقة، اشتغلت الملائِكة بالتسبيح قبل خلق آدم إِذ قالوا ونحن نسبح إِلخ، فجعله الله قبل الإِحرام، وفى دار السلام لبنى آدم قال صلى الله عليه وسلم: "أَكثر دعائِى ودعاءِ الأَنبياء قبلى بعرفات لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير" ، وفى الحديث القدسى: "إِذا شغل عبدى ثناؤه علىَّ عن مسأَلتى أَعطيته أَفضل ما أُعطى السائِلين" { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا } بينهم، أَو تحية الله أَو الملائكة لهم، أَو التحية التى لهم سواءٌ من بعض لبعض أَو من الملائِكة لهم، أَو من الله سلام قولا من رب رحيم، والملائِكة يدخلون عليهم، الآية { سَلاَمٌ } عليكم { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ } أَى كلامهم المتأَخر عن الأَكَل والشراب أَو عن دخلوهم الجنة ومعاينة عظمة الله عز وجل، وتحية الملائِكة بالسلامة لهم من الآفات الفوز بالكرامات على هذا الترتيب { أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أَى أَنه أَى الشأْن لا مفسرة لعدم تقدم الجملة، ولو تقدم لفظ فى معنى القول دون حروفه، ويقال سبحانك اللهم علامة بين أَهل الجنة وخدمتهم فى إِحضار الطعام إِذا أَرادوه يأْتونهم فى الوقت بذلك على حسب ما يشتهون على موائِده، كل مائِدة ميل طولا وعرضاً، على كل مائِدة سبعون أَلف صفحة، فى كل صفحة لون ليس فى الآخر. وإِذا فرغوا قالوا: الحمد لله فترفع الموائِد، ويقال تأْتيهم الملائِكة فى الصحف بذلك فيريدون أَن يردوا الصحف فتضحك الملائكة ويقولون إِنكم تظنون أَنكم تردون الأَوعية كما فى الدنيا، أَى ترفع بلا رد أَو تفنى وتجدد الآخر، ويمر طائِر فيشتهونه فيقع فى وعاءٍ مشوياً أَو قديراً كما اشتهوا أَو يأْتيهم به ملك كذلك، ويقال إِذا رأَوه قالوا: سبحانك اللهم فيكون ذلك، ويقال عوام أَهل الجنة فيها من حيث المعرفة كعلماءِ فى الدنيا والعلماء كالأَنبياء والأَنبياءُ كالنبى صلى الله عليه وسلم، وله صلى الله عليه وسلم ما ليس لبشر ولا ملك، لما نزل مأْواهم النار استعجلوا فنزل بقوله عز وجل:
{ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ } إِلخ، مثل فأَمطر علينا، وسأَل سائِل، ويستعجل بها الذين، يستعجلونك، وأَو تسقط السماء، الآيات، ومتى هذا الوعد، ونحوهن، وقيل: نزلت فى قول النضر فأَمطر، وقيل فى دعاءِ الإِنسان على نفسه وأَهله وأَولاده وماله أَو بعض ذلك عند الغضب بلعنة الله أَو بانتفاءِ البركة أَو بالموت أَو الفقر أَو نحو ذلك، يستعجله كما يستعجل الخير، واختار المضارع لقصد الاستمرار فيما مضى وقتاً فوقتا، والمعنى أَن امتناع إِهلاكهم استئصالا بسبب امتناع استمرار التعجيل، وأَنسب من ذلك أَن يكون المعنى امتناع الإِهلاك بسبب استمرار امتناع التعجيل و "أَلـ" فى الناس للجنس أَو للعهد بقوله الذين لا يرجون إِلخ، وعليه فوضع المضمر تسجيلا على عيوبهم وتصريحا على استدراجهم، والتعجيل فعل الله والاستعجال فعلهم، فالمعنى لو يعجل الله الشر تعجيلا مثل استعجالهم الخير فى السرعة وهو طلب العجل، وهذا أَولى من تقدير استعجالا مثل استعجالهم لأَن مصدر عجل تعجيل لا استعجال، أَو استعجال بمعنى تعجيل فكأَنه قيل فلو يعجل الله الشر كما يعجل الخير، وهذا إِشعار بسرعة الإِجابة حتى أَن استعجالهم الخير عين تعجيل الله الخير ولا حاجة إِلى تكلف أَن الأصل، ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالا كاستعجالهم بالخير لكثرة الحذف، وعلى كل حال المراد بالشر الشر الذى يطلبونه، ويجوز أَن يراد جزاءُ الذنوب كقوله عز وجل، ولو يؤَاخذ الله الناس إِلخ والباءُ للإِلصاق أَو صلة { لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } أَى استحضر مؤَجلهم استيصالا فالأَجل بمعنى شرهم المؤجل، وهو الموت أَو العذاب، وعدى قضى بإِلى لتضمنه معنى الإِيصال والإِبلاغ، والمراد لكن الله يؤخر الشر ويعجل الخير { فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } عطف على محذوف دلت عليه الشرطية دلالة التزامية، أَى لا نعجل بالنون أَو بالياءِ، فنذر الذين على التفات من غيبة لا يعجل بالياءِ أَو تبع الالتفات فى نعجل بالنون لا عطف على يعجل ولا على قضى لأَنهما منفيان بلو وتركهم يعمهون مثبت، ولا على لو وما بعدها لعدم وجود ما يتفرع بالفاءِ، والناس أَعم من الذين لا يرجون، ولو حملنا الناس على الأَشقياءِ لكانوا قوما واحداً ذكرهم بالظاهر ليصفهم بإِنكار البعث وبإِبقائهم مترددين فى الطغيان من إِنكار البعث والجزاءِ وأَنواع الشرك والمعاصى تركهم يوفون أَجلهم لأَنه لا يخلف الوعد، ولأَن منهم من قضى الله أَن يلد مؤمناً أَو شقياً مثله، ويجوز أَن يراد بالذين لا يرجون ما يشمل من من يتوب فيكون تردده قبل توبته وهو بعيد.