التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ
٢
-التكاثر

تيسير التفسير

بالذهاب إليها بحسابكم لا بأرجلكم وذلك تسمية للعد للموتى زيارة لا ذهاباً بالأرجل، قال أبو بريدة نزلت فى بنى حارثة وبنى الحارث من الأنصار تفاخروا قالت إحداهما أفيكم مثل فلان وفلان وقالت الأُخرى مثل ذلك ثم انتقلوا إلى عد الموتى، وقيل انتقلوا بأرجلهم فتقول إحداهما أفيكم مثل فلان وتشير إلى قبره وتفعل الأُخرى مثل ذلك فنزلت الآية وذلك فى المدينة، وقيل تفاخر بنو سهم ابن عمرو وبنو عبد مناف أيهم أكثر فغلبتهم بنو عبد مناف فى الكثرة فقال بنو سهم أهلكنا البغى فى الجاهلية فعادُّونا بالأَحياءِ والأَموات فغلبتهم بنو سهم فى العدد وذلك فى الإسلام ألا ترى إلى قولهم أن البغى أهلكنا فى الجاهلية فإن الباقى على شرك لا يقول ذلك وقبل الهجرة لا يوجد من يقول ذلك فذلك فى المدينة أو فى مكة بعد الإسلام وشهرته بنو عبد مناف وبنو سهم من قريش لا من الأنصار، وقيل نزلت فى اليهود يقولون بنو وفلان أكثر من بنى فلان وبنو فلان أكثر من بنى فلان والمشهور أنها فى غيرهم، وقيل ألهاكم التكاثر بالأَموالِ والأَولاد إلى أن متم ولم تشتغلوا بما يعنيكم من أمر الدين وينفعكم فى الآخرة فالزيادة فى هذا الوجه عبارة عن الموت وليست الزيادة فى شىءٍ من هذه الأَوجه حقيقة لأَن الحقيقة أن تذهب إلى غيرك لتنفعه ثم ترجع إلى أهلك والذاهب إلى المقبرة برجله ليعد القبور غير ذاهب لشأن نفع القبور والذاهب إليها بالحساب لا بالأرجل غير ماش إليها ولا نافع والذاهب إليها بالموت لم يذهب برجله ولا بحسابه ولا لنفع القبور فالزيادة فى ذلك كله استعارة وفى الحساب بلا مشى أو مع مشى تهكم بهم بأنهم كالذاهب بالمشى إلى المقبرة بلا قصد نفع لأن الموتى لا تكلمهم ولأن زيارة الموتى للاتعاظ وتذكر الموت ليستعد له وتزال الغفلة كما قال - صلى الله عليه وسلم - "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة" ولا تقولوا هجراً أى ككلام المدح وللنواح والعد للفخر وهم عكسوا جعلوا زيارتهم فى مقام اللهو وحذف الملهى عنه وهو الآخرة وأمر الدين قيل للتعظيم المأخوذ من الإبهام بالحذف والمبالغة بالذم حيث أشار إلى أن الملهى عما ينفع هكذا مذموم فكيف عن أمر نافع لا بد منه وفيه أنه ليس فى الحذف ذلك بل قيل ألهاكم فيقال عماذا فيقال عن الدين والآخرة لدلالة المقام وسائر الأدلة حذف للعلم به وسمع أعرابى الآية فقال بعث القوم للقيامة ورب الكعبة فإن الزائر منصرف أى لأنه لو كان الموت على اللبث الدائم لم يقل زرتم ولما قاله علم أنه لا بد من الانتقال ولا سبيل إلى الانتقال إلى الدنيا فهو لا بد إلا إما إلى الجنة أو إلى النار، وعن عمر بن عبد العزيز لا بد لمن زار أن يرجع إلى جنة أو نار وكلام عمر بن عبد العزيز والأعرابى مبنى على أن الزيارة بالموت لا بالعد، وفى الآية تقليل اللبث فى القبور لأَن الزائر مستوفز للرجوع لا مطمئن بالإقامة والقلة نسبية منظور فيها إلى الخلود فى الدارين.