التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ
١
-الفيل

تيسير التفسير

ألم تعلم يا محمد أو يا من يصلح للعلم فيدخل - صلى الله عليه وسلم - أولا وهذا قل حيث يصلح القول ولم يشاهد ذلك - صلى الله عليه وسلم - ولكن أيقن فكأنه رأى وأيضاً العرب إذا أكدت شيئاً قالت لمن لم يره ألم تره ولو كان غافلاً عنه أو منكراً كما قال امرؤ القيس:

ألم ترانى كلما جئت زائراً

الخ والاستفهام لتقرير الرؤية بنفى عدمها أو هى رؤية عين استعملت بمعنى الإدراك القلبى مجازاً استعارياً لعلاقة الإدراك أو إرسالياً لأَن الإدراك بالعين سبب للإدراك بالقلب إذ هى باب له وهذا أبلغ من الأَول الذى هو استعمال الرؤية من أول الأَمر بمعنى العلم وكيف حال من رب أو مفعول مطلق لفعل أى أى فعل فعل ولا مفعول به لتر لأنها لا تكون مفعولاً به ولأن لها الصدر والمراد التهويل بالهيئة العجيبة ولذلك لم يقل سبحانه ألم تر ما فعل ربك والجملة سدت مسد مفعولى تر معلناً بالاستفهام وتعلق الرؤية البصرية كما تعلق العلمية وكان إهلاك أصحاب الفيل تمهيداً لرسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولشرف البيت ودعوة الخليل وكان فى عام ولادته - صلى الله عليه وسلم - قبل ولادته بخمسين يوماً فى المحرم وولادته فى ربيع الأُولى وبه قال السهيلى وهو الأصح وقيل بخمسة وخمسين يوماً وقيل بأربعين وقيل بشهر وهنا أقوال ضعيفة قيل بعشرين سنة وقيل بأربعين وقيل بسبعين، روى أن جماعة من قريش تجاراً إلى أرض النجاشى أججوا ناراً عند بيعة على ساحل البحر واشتووا فى يوم عاصف فحرقت وتسمى الهيكل ووصل الصريخ إلى النجاشى فاغتاظ فبعث أبرهة لهدم الكعبة وفى مكة أبو مسعود الثقفى وكان أعمى يشتو بمكة ويصيف بالطائف له رأى وهو صديق لعبد المطلب فقال له قلد مائة من الإبل واهدها واجعلها لعلهم يصيبون منها شيئاً فيهلكهم الله عز وجل ففعل فحملوا عليها وذبحوا وجعل عبد المطلب يدعو الله سبحانه وتعالى فقال أبو مسعود إن لهذا البيت رباً يمنعه وقد قصده تبع ملك اليمن فابتلاه الله عز وجل وأظلم عليه ثلاثة أيام فتاب وكساه القباطى البيض ونحر له فانظر نحو البحر فإذا طير لا نجدية ولا تهامية لا عربية ولا شامية وجاءت حتى دارت عليهم فأرسلت حجارة عليهم ورجعت من حيث جاءَت ولم تصب دوابهم ولا فيلهم الذى جاءَوا به وأبى وأصابت أفيالاً توجهت وثم تاب وشهر أنه بنى بعض عمال النجاشى كنيسة بصنعاءِ لم ير مثلها وسماها القليس بضم القاف وفتح اللام مشددة ومخففة بالرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس وكتب إلى النجاشى بكسر النون بنيت لك كنيسة أصرف إليها حج العرب فسمع بذلك رجل من بنى فقيم بن عدى بن كنانة فأحدث فيها ولطخ قبلتها بالعذرة فأخبر بأنه فعل ذلك رجل من العرب غضباً لبيته وقيل أججت العرب ناراً حولها فاحترقت بحمل الريح أو كان الأمران جميعاً فجهز الحبشة فى ستين ألفاً ومعه فيله محمود وكان قوياً عظيماً ومعه اثنا عشر فيلا دونه وقيل ثمانية وقيل ألف والأَكثرون أن معه محموداً وحده فرأت العرب جهاده حقاً فقاتله رجل من أشراف اليمن يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه وسائر العرب فهزمهم جند النجاشى وأخذ أسيراً وقال لأَبرهة أمير الجند لا تقتلنى لعلنى أنفعك فحبسه ولما وصل أرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب بمن معه فهزم فقال أبقنى لعلى أنفعك فخرج به يدله ولما مر بالطائف تلقاه مسعود بن مالك الثقفى مع رجال من قومه فقالوا له نحن عبيدك لا نخالفك إنما البيت الذى تريد فى مكة لا بيت اللات الذى عندنا فبعثوا معه أبا رغال فلما نزل أبو رغال مات فالعرب ترجم قبره وبعث أبرهة وهو بالمغمس أبا الأسود بن مقصور حتى انتهى إلى مكة فساق أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم وفيها مائتا بعير لعبد المطلب وقيل أربعمائة فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن بالحرم بقتاله فكفوا وعلموا أنهم لا يطيقونهم وبعث أبرهة حياطة الحميرى أن يقول لسيد مكة لم أجىء لقتالكم ولكن لهدم البيت فأَجابه عبد المطلب لا طاقة لنا بقتالك وللبيت رب إن شاءَ حماه وسار على العسكر فسأَل عن ذى نفر فقال له وهو صديقه ما عندك فقال إنى أسير أنتظر القتل ولكن أوصى إلى سائس الفيل فليحسن إليك ويدخلك على أبرهة فمدحه إلى أبرهة بأَنه سيد أهل مكة وأنه ينفق على أهل مكة والوحش والطير فأَدخله فقال له إِنه جاءَ يطلب إِبله مائتى بعير فقال له قل له قد زهد الملك فيك بعد إذ جاءَ لهدم بيت فيه شرفك وشرف قومك ولم تهتم إلاَّ بإِبلك فأَجاب بأَنى رب الإِبل وللبيت رب يمنعه فقال لا يمنعه فقال أنت وذاك فرد إليه إبله، وروى أنه ثفانة بن عدى سيد بنى بكر وخويلد بن واثلة سيد هزيل عرضا عليه ثلث أموال تهامة ليرجعن عن البيت وقد دخلا مع عبد المطلب فأَبى وأمر عبد المطلب العرب فتفرقوا فى الجبال لئلا يضرهم الجيش وأخذ بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل وقال أبياتاً مشهورة وخرج فلما أصبح أبرهة تهيأَ للدخول وعبأ الجيش وهيأَ الفيل ولما وجهوه إلى مكة أخذ نفيل بن حبيب بأُذن الفيل فقال ارجع فإِن هذا بلد الله الحرام وخرج نفيل حتى صعد الجبل فأَبى الفيل فوجهوه إلى اليمن فهرول وإلى الشام فهرول وإلى مكة فأبى أيضاً فسقوه الخمر ليذهب تمييزه فلم تؤثر فيه وقيل إن عبد المطلب هو الذى أخذ بأن الفيل وقال ذلك وذلك فى وادى محسر فاَرسل الله تعالى طيراً من جهة البحر خضرا وقيل سودا وقيل بيضا كاليعاسيب وقيل كالخطاف كل طائفة يقودها طائر أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق فى منقار كل واحد حجر وفى رجليه حجران كالعدس أو كالحمص لا يصيب حجر أحداً إلاَّ مات تثقب بيضته ورأسه وتخرج من دبره وتحفر فى الأرض لشدة وقعها وزعم بعض أن ذلك بريح تقويها وتساقطوا وماتوا فى مواضعهم كلهم وقيل تحاملوا وجعلوا يسأَلون نفيل بن حبيب الطريق إلى اليمن فمنهم من مات فى حينه ومنهم من تحمل فروى أن أبرهة ما وصل صنعاء إلاَّ وهو كفرخ الطائر وقيل لم يصبهم الطير كلهم وقيل لم ينجح منهم إلاَّ واحد أخبر النجاشى ولما أخبره رماه طائر حلق من مكة على رأسه فهلك واسمه أبو يكسوم، وروى أن عائشة رضى الله عنها أدركت قائد الفيل وسائسه تخلفا فى مكة فسلما هما أعميان مقعدان يستطعمان الناس ولما أصبح عبد المطلب أرسل أحد أولاده على فرس سريع فرجع فقالوا هلكوا كلهم فجاءَ عبد المطلب ومن معه فأَخذوا أموالهم، ويروى أن عبد المطلب حفر حفرة ودفن فيها من جواهرهم والذهب الأحمر ومالهم ما شاء وأبا مسعود الثقفى كذاك وقد كان معه فى الأَمر وصعد فى الجبل فخيره عبد المطلب وقال إن شئت فهما لك فقال أبو مسعود أُخرى لى فقال لك حفرتى لأَنها أكثر مالاً وقد أعمقا فى الحفر والاختيار والملء ثم نادى سائر العرب فأخذوا وصاروا كلهم أغنياءَ.