التفاسير

< >
عرض

فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ
١١٦
-هود

تيسير التفسير

{ فَلَوْلاَ } تحضيض أَو توبيخ أَو نفى على ما يأْتى إِن شاءَ الله { كَانَ مِنَ الْقُرُونِ } الأُمم الماضية من للتبعيض { مِنْ قَبْلِكُمْ } من للابتداءِ تتعلق بمحذوف حال من القرون { أُولُو بَقِيَّة } أَصحاب دين وفضل أَو عقل ورأْى إِذ بهما يوصل إِلى قبول الشرع، وإِلى الاستنباط منه وذلك أَن الإِنسان يدخر أَفضل ما يجد ويحافظ عليه فيحضره إِذا احتاج إِليه، كما يقال فى الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا، وبقية القوم خيارهم، والبقية بمعنى الصفة كناية عما أُطلق عليه أَنه خير وجيد من الخصال المرضية، ومن لوازم الخير أَن يصان ويستبقى وكأَنه قيل أُولو خصلة باقية، أَى من شأْنها أَن تبقى ولا تضيع وغلب عليه الاسمية فخرج إِلى معنى نفس الشىءِ الجيد ولو لم يستشعر معنى البقاءِ، ويجوز أَن يكون مصدرا أَى أُولو إِبقاءٍ على أَنفسهم أى نقص الشر عن أَنفسهم، وهو بمعنى الإِبقاءِ فهو اسم مصدر، يقال أَبقى عليه أَى راقبه وصرف الشر عنه أَو بعض الشر، ويدل لذلك قراءة بقية بفتح الباءِ وإِسكان القاف وتخفيف الياءِ وقراءة بقية بضم الباءِ وإسكان القاف والفعل بقاه يبقيه كرماه يرميه، وأَما ضد الفناءِ فبقى يبقى كرضى يرضى { يَنْهَوْن عَنِ الْفَسَادِ فِى الأَرْضِ } بالشرك والمعاصى،وصلاح الأَرض تركها وكأَن لا خبر لها فليس ينهونه خبرا لها بل حال من أُولو أَو نعت له وإِذا جعلنا لولا للتحضيض فقد اعتبرنا القرون كأَنهم موجودون فحض أَصحاب الرأى منهم على النهى وكان بمعنى يكون، وإِن جعلناها للتوبيخ فالماضى على ظاهره وتحضيض المفقود وتوبيخه كناية عن توبيخ الموجودين وتحضيضهم، والتحضيض على لشىءِ والتوبيخ يستلزمان أَنه منتف يطلب تحصيله أَو متروك يعاتب على تركه، فلذلك الانتفاءِ صح الاستثناءُ فى قوله { إِلاَ قَلِيلاً } وصح النصب فى التمام والنفى لجوازه فصيحا تقول ما قام القوم إِلا رجالا بالنصب، كما تقول بالرفع وقوى النصب عدم التصريح بالنفى، وقد قيل إِن لولا حرف نفى، وكأَنه قيل ما فيهم خيار ينهون إِلا قليلا { مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ } من الهلاك نهوا عن الفساد فنجوا، ومن هذه للبيان أى إِلا قليلا هم من أَنجينا كمن نجا مع هود ومع صالح ومع لوط بإيمانه أنجينا الذين ينهون عن السوءِ وأَخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس، ويجوز كون الاستثناءِ منقطعا فرجح النصب أَو تعين ولو مع السلب وأُجيز أَن تكون الآية من باب نفى اللزوم بانتفاءِ اللازم نحو ما كان أَغنياؤهم يواسون الناس تذمهم بأَنهم فقراءُ وبالغت بأَنه لو كان فيهم أَغنياءُ لم يواسو الناس { واتَّبَعَ } العطف على محذوف، أًى فلم ينهوا واتبع { الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ } جعلهم الله بخذلانه تابعين ما أَترفهم الله فيه. أَى ما وسع الله عليهم من النعم ولذذهم فيه فاشتغلوا بالتلذذ بها، وأَعرضوا عن دين الله واشتغلوا عن النهى عن الفساد بتوفيرها واكتسابها والمحافظة عليها لهواهم، ويجوز على بعد أَن يكون من أَترفته النعم إِذا أَطغته { وَكَانُوا مُجْرِمِينَ } مذنبين ذنوبا عظاما من شرك وظلم وترك النهى عن الفساد مع علمهم بما هو فساد مما يدرك بالعقل، وهم مؤاخذون على ذلك، ولو لم يدركوا فكيف ما أَدركوا.