التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
٦٩
-هود

تيسير التفسير

{ وَلَقَدْ جَاءَتْ } لم يقل وإِلى إِبراهيم كما فى نظائِره ولأَن الملائِكة للشر لا للرسالة، وإِنما أُرسلوا إِلى قوم لوط كما قال: إِنا أُرسلنا إِلى قوم لوط { رُسُلُنَا إِبْرَاهِيم } ثلاثة عشر ملكا رئِيسهم جبريل، وهو منهم على صورة الغلمان فى غاية الحسن، وقيل تسعة أَحدهم جبريل، وقيل ثلاثة جبريل وميكائِيل وإِسرافيل، وقيل وعزرائِيل فهم أَربعة، وقيل ثمانية أَحدهم جبريل، وقيل أَحد عشر أَحدهم جبريل، وفى جميع الأَقوال هم على صورة الغلمان الذين فى غاية الحسن، وعاش إِبراهيم مائة وخمساً وسبعين سنة، وبينه وبين نوح أَلف سنة وستمائَة سنة وأَربعون سنة، وإِسحاق مائَة وثمانين سنة، ويعقوب مائَة وخمسا وأَربعين سنة، ورجحوا فى عدد الرسل المرسلين إِلى إِبراهيم من الملائِكة أَنهم ثلاثة، وهو قول ابن عباس، لأَن أَقل الجمع ثلاثة، وهى مقطوع بها، وما فوقها محتمل وإِطلاقه على أَقل مجاز يحتاج إِلى قرينة، ورجح بعض عشرة على أَنها أَول جموع الكثرة وبعضهم أَحد عشر على أَن العشرة أَكثر جمع القلة، وبعض تسعة على أَنها أَول جمع الكثرة، وبعض ثمانية كذلك والرسل جمع كثرة { بِالْبُشْرَى } بالتبشير بإِسحاق من صلبه ويعقوب من صلب إِسحاق كما قال: وبشرناها بإِسحاق، وبشرناه بغلام حليم، وقال ومن وراءِ إِسحاق يعقوب، وقال: ويعقوب نافلة، وقيل بهلاك قوم لوط، وهلاك العدو من أَعظم ما يكون التبشير به ولا سيما عدو الدين، واعترض بقوله تعالى: { { يجادلنا فى قوم لوط } [هود: 74]، وقيل بعدم لحوق الضرر به، ولما ذهب عن إِبراهيم الروع، وجاءَته البشرى، وقيل البشارة الأُولى من ميكائِيل والثانية من إِسرافين عليهما السلام { قَالُوا سَلاَماً } سلمنا عليك سلاما أَى تسليما، والجملة إِنشائِية أَو هو مفعول قالوا، أَى ذكروا سلاما بلفظ السلام عليك أَو سلام عليك فيكون فى قولهم بالجملة الاسمية كما فى جواب إِبراهيم، أَو بلفظ سلمنا سلاما، أَو بحذف سلمنا فيكون دون سلام إِبراهيم لأَنه بالفعلية والأَولى أَن لا يكون دونه { قَالَ سَلاَمٌ } أَى عليكم سلام، أَو سلام عليكم، أَو أَمرى سلام، أَو جوابى سلام { فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ } أَى ما تأَخر عن أَن جاءَ أَو فى أَن جاءَ أَو بأَن جاءَ أَى ما قام غير جاءَ وذلك مبالغة فى السرعة، وإِلا فلا بد من الاشتغال بعد مجيئِهم بذبح العجل وشيه أَو طبخه اللهم إِلا إِن هيىءَ قبل لحاجة لشدة رغبته فى الإِضافة وليوافق جائِعا، ولشدة كرمه، ويناسبه فراغ إِلى أَهله فجاءَ بعجل سمين بفاءِ الاتصال، وقد يقال التجدد للضيف أَشد إِعظاماً له وأَزيد فى الاعتناءِ به، واختاره بعض المحققين وأَنا أَختار الأَول، لأَن الإِفراح بالطعام مطرد وليس كل مضاف يعرف أَن فى التأْخير للتجدد اعتناءً به وليس يعرف أَن التأْخير للتجدد، نعم الطعام الجديد أَحلى ببقاءِ بعض حرارته، ويجوز أَن يفسر لبث بأَبطأَ وفاعل لبث ضمير إِبراهيم، ويجوز أَن يكون أَن جاءَ أَى ما أَبطأَ أَو ما تأَخر مجيئُه بعجل ولا حاجة إِلى جعل ما مبتدأٌ أَو مصدرية، والمصدر مبتدأٌ والخبر أَن جاءَ على حذف مضاف، أَى فلبثه قدر مجيئه بالعجل أَو اللبث الذى لبثه قدر مجيئه لما فى ذلك من التكلف { حَنِيذٍ } مشوى فى حجارة محماة أَو مطبوخ، والأَول أَولى أَو يقطر دسمه بعد شيِّه أَو طبخه، يقال حنذت الفرس إِذا أَلقيت عليه ما يعرف به كالجل، وكان عامة ماشية إِبراهيم البقر فيما قيل والمشهور الغنم، قيل: مكث عليه السلام خمسة عشر يوما لم يأْكل مع الضيف إِذ لم يجده، ولما جاءَه الملائِكة ظنهم أَضيافا، فعجل إِليهم فرحا، وكان لا يأْكل إِلا مع الضيف ما وجده، وفى مجيئِه مع أَنه يكفى بعضه سنة تقديم أَكثر مما يأْكل الضيف بكثير لينبسط فى الأَكل ولا يستحى، ويسن للمضيف النظر إِليه مسارقة ليقول لهم بالأَصلح لا مواجهة لئَلا يستحيوا.