التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ
٨٠
قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
٨١
-هود

تيسير التفسير

{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةَ } لو للتمنى والمصدر من خبر إِن فاعل ثبت وبكم بمعنى عليكم يتعلق بمتعلق لى أَو بلى أَو بقوة لأَنه مصدر لا ينحل إِلى أَن والفعل، وأَيضا يتوسع فى الظروف أَو حال من قوة، والمراد القوة على أَن يدفعهم عن اللواط بنفسه أَو بغيره كما قال { أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ } أَنضم إِلى قوم أَقوياءَ أَدفع بهم أَشداءَ ثابتين كالركن للبيت، بل ركن الجبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أَخى لوطا كان يأْوى إِلى ركن شديد" رواه البخارى ومسلم. قال ذلك ترحما عليه وشفقة عليه لا استضعافا لقوله، وكان هو وإِبراهيم من بابل من أَرض العراق من قرية تسمى كوتا أَتيا الشام وهما فيه غريبان، وأما قوله تعالى: أَخوهم لوطاً فأُخوة بالرسالة إِليهم وأُخوة بلد لا فى الدين أَو النسب، وهو ابن أَخى إِبراهيم، وقيل ابن أُخته أَرسله الله إِلى أَهل سدوم من أَرض الشام، ويقال أَيضا سمى أَخا لهم لمجاورته لهم ومصاهرته لهم ولولادته منهم أَولادا وإِقامته فيهم مدة طويله، وفى قوله صلى الله عليه وسلم: رحم الله أَخى لوطا إِلخ إِشارة إِلى أَنه لا ينبغى للوط أَن يقول ذلك لأَن ظاهره إِقناط كل من أَن يجد ناصراً من الناس، وقد قال شعيب أَرهطى أَعز عليكم من الله، ولا أَقوى من الله، أَليس الله بكاف عبده، والإِياس من الناس جائِز والممنوع الإِياس من الله عز وجل، وما تقدم أَولى، فإِن التمنى للركن تمن لأَمر شرعى يثاب عليه كمن تمنى سيفا يجاهد به، وقد قيل أَراد بالركن العشيرة وأُجيز أَن تكون لو شرطية على حد ما مر من تقدير الفعل فيقدر لها جواب، أَى لدفعتهم كقوله تعالى: { { ولو أَن قرآنا سيرت به الجبال } [الرعد: 31]، وعطف أَوى على ثبت المقدر والمضارع للتجدد أَو على قوة بتقدير أَن الناصبة حذفت ورفع الفعل أَى قوة أَو آويا والقوة بنفسه فى الدفع والأَوى فى الدفع بغيره، والشرط أَولى من التمنى، لأَن جوابه المقدر يقبل أَنواعا كالدفع كما ذكرته والمنع والبطش، ويجوز أَن يكون الركن الشديد الله على أَن أَو بمعنى بل، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم "رحم الله أَخى.. إِلخ" مدحا وهو خلاف المتبادر من الآية، ولما قال من وراءِ الباب مستترا هؤلاءِ بناتى وتضرع إِليهم بالوعظ وذكر الأَوى إِلى ركن شديد من الناس ولم يجده علم أَنه ضعيف فتسوروا عليه، أَو أَرادوا التسور، ورأَى الملائِكة كربه قالوا له ما ذكر الله عز وجل عنهم فى قوله:
{ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ } ملائِكة أَرسلنا الله إِلى إِهلاكهم فافتح الباب لهم، وقيل كسروا الباب { لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ } بإِضرارنا لأَن مضرة أَضيافه مضرة له، فقالوا لن يصلوا إِلى مضرتك، فدخلوا ودعا جبريل عليه السلام الله أَن يأْذن له فى إِعمائِهم فضربهم بجناح أَخضر فعموا، فقالوا النجاءَ النجاءَ إِن فى دار لوط سحرة فستعلم يا لوط ما نعاقبك به غدا، وقال لوط لهم متى هلاكهم فقالوا الصبح فقال أُريد إِهلاكهم الآن. فقالوا أَليس الصبح بقريب { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقطعٍ مِنَ اللَّيْلِ } فى بعض من الليل، وقيل نصف الليل أَو فى ظلمة من الليل، وعن ابن عباس آخره قال الله تعالى: نجيناهم بسحر، ويجاب بأَن سرى أَول الليل ووقعت نجاتهم بسحر، إِذ جاوزوا البلد المقلوع وذلك السرى لئَلا يسمعوا أَصوات العذاب الذى يقع صبحا، وسرى بأَهله فى حينه، وطوى الله لهم الأَرض فى وقتهم، ووصلوا إِبراهيم ونجوا، سرى وأَسرى بمعنى، وقيل أَسرى أَول الليل وسرى آخره { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ } قال قتادة لا ينظر إِلى ورائِه فيلحقه العذاب الذى يصيب القوم، والخطاب للأَهل ومقتضى الظاهر ولا يلتفت منهم أَحد بالغيبة، وذلك على طريق الالتفات وناسبه ذكر لفظ يلتفت، ويسمى ذلك تسمية النوع وهو أَن يؤتى فى العبارة بنوع من البديع ويذكر اسمه فيها نحو: جردت الأَسود منى إِلى العدو { إِلاَّ امْرَأَتَكَ } استثناءٌ من أَحد بالنصب لأَنه فصيح، ولو كان الإِبدال أَفصح لتقدم السلب ولا مانع من اتفاق الجمهور على وجه مرجوح لاتفاق حقيقة المعنى، والمراد أَنكم نهيتم عن الالتفات بعد الخروج إِلا هى فلم تنه فالتفتت وقالت: واقوماه فضربت بحجر وماتت، ويجوز أَن يكون الاستثناءَ منقطعاً، أَى لكن امرأَتك تهلك كما هلكوا، أَو تلتفت فتصاب ولو خرجت معكم، كما قال { إِنَّهُ } أَى الشأْن { مُصِيبُهَا } خبر مقدم للاستقبال { مَا أَصَابَهُمْ } مبتدأٌ مؤَخر ومعناه الاستقبال، ووجه لفظ المعنى الإِخبار بأَنهم يصابون بالعذاب قبلها، وتحقق الوقوع والجملة خبر إِن، ولا تقل كما قال بعض المحققين مصيبها مبتدأٌ وما خبر، ولا تقل مصيب خبر إِن وما فاعله لأَن ضمير الشأْن لا يفسره إِلا جملة صريحة خلافا للكوفيين إِذ أَجازوا أَنه ما قائِم أَخواك، ويجوز إِجماعا أَنه ما قائِم أَخواك وما قائِم أَخوك على أَن أَخوك فاعل قائِم، ويجوز أَن يكون استثناءً من أَهل فيتعين النصب كما قرأَ ابن مسعود وكتبه فى مصحفه: فأَسر بأَهلك إِلا امرأَتك. فيكون لم يسر بها لكن اتبعهم بلا آمر منه عليه السلام، وبلا علم منه باتباعها، أَو مع علمه إِذ لم يأْمرها فلا يضره اتباعها فكانت خلفهم فقالت: واقوماه لما التفتت وأُصيبت، وهذا ما ظهر لى، وقيل لم تخرج والاستثناءُ من أَهل، وقيل المعنى لا يلتفت منكم أَحد أَمر بالإِسراع فإن الإِلتفات ينافيه ويجوز كون معنى لا يلتفت لا يتخلف، كما روى عن ابن عباس يقال: ألفته عن الأَمر أَى صرفه عنه فتكون غير منهية عن التخلف فلم تسر أَو سرت وأُهلكت على كل حال، والاستثناءُ من أَهل أَو من أَحد كما مر وتقدم أَنه أَراد عجلة العذاب فى الحين فقال ما ذكر الله عز وجل بقوله { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ } زمان موعدهم أَى موعد عذابهم، قال ما موعدهم؟ قالوا: صبح هذه الليلة، قال أُريد أَسرع من ذلك قالوا { أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } جواب الاستبطاءِ غير مذكور.