التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
٩١
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٩٢
-هود

تيسير التفسير

{ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفَقَهُ كَثِيراً مِمَّا تقُولُ } لأَنه هذيان لا يفهم، ما نعلم أَنه حق أَو ما نعلم حجته، وذلك كتحريم عبادة غير الله وتحريم البخس فى الكيل والوزن، أَو قالوا ذلك احتقارا له كما تقول لغيرك ما أَدرى ما تقول وأَنت فاهم له لكن تريد عدم قبوله حتى كأنك لم تفهمه، وهو إِخبار لفظا ومعنى لا لفظا فقط، إِنشاء معنى كما قيل، وهو كناية أَو استعارة تمثيلية، أَو المراد أَنهم لم يفهموا معنى ما قال لشدة نفرتهم عنه مع أنه فصيح عالم بطرق الخطاب المؤثرة فى السامع، وفهموا الكثير الآخر مما يقول مما لا ينفرون عنه، وهو خطيب الأَنبياء، فلا يصح ما قيل أَنهم قالوا ذلك لأَنه أَلثغ، والحاصل أَنه لا وجه لدعوى أَنه أَلثغ بلا دليل مع أَن شأْن الكفرة أَن يقولوا مثل ذلك لكل ما جاءَ به، ولو أَفصح الفصحاءِ ومع أَن شَأْن الأَنبياءِ أن يكونوا سالمين من منفر ولو جاز بعد التبيلغ { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً } عاجزا أعمى ذليلا لا قوم لك يمنعونك عما نريد من مضرتك أَن نردها، وهذا المعنى لعمومه أَولى من حمل الضعف على بعض معانيه فقط وهو العمى، وأَولى من حمله على ما وضع له فى لغة اليمن وهو العمى كما يقال للأَعمى ضرير، يقال له ضعيف عندهم، وأَما ما قيل من أَنه لا يصح تفسيره بالعمى وحده ولا بالعمى مع غيره لأَن قولهم فينا لا يناسبه لأَن الأَعمى أَعمى فيهم وفى غيرهم، وضعيف فيهم وفى غيرهم فلا يصح لأَن المراد إنا لا نعتبرك فيما بيننا لضعفك بالعمى أَو به وبغيره، وبأَنا لنا مثلك بل أقوى وتريد العزة فينا ولا عزة لك فينا والحاصل أنك لا تقاومنا، وأَما كونك كذلك فى غيرهم فبمعزل عن الكلام ولا مدخل له هنا، ومشهور المذهب أن الأعمى لا يكون نبيا، والجواب أنه حدث إليه العمى بعد الوحى والبعثة كما ابيضت عينا يعقوب بعد الوحى والبعثة، وروى أنه بكى من حب الله تعالى حتى عمى فرد الله عليه بصره وأوحى إليه: يا شعيب ما هذا البكاءُ؟ أَشوقا إلى الجنة أَو خوفا من النار؟ فقال: لا لكن لحبك، ورضيت بكل ما تصنع بى فقال الله تعالى: هنيئاً لك يا شعيب، لذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمى، وكذا قال جمهور قومنا: لا يكون الأَعمى نبيا، وأَجازه بعضهم كالقاضى، ومنعه بعض المعتزلة قياسا على القضاءِ والشهادة، وفيه أن القضاء والشهادة يحتاجان إلى تمييز من يقضى له أو عليه أو يشهد له أو عليه { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ } ناسك القليلون الثلاثة إلى العشرة أو الثلاثة إلى التسعة أَو إلى السبعة أو إلى الأَربعين أقوال، فإما أن يكون قومه على شىءٍ من ذلك، وإِما أَن يكون المراد التقليل، ولو كانوا أكثر من العشرة احترموا قومه، ولو قلوا لأنهم على دينهم لا لكثرتهم أَو شدتهم لعدمهما، ولا يطلق الرهط على النساءِ { لَرَجَمْناكَ } بالحجارة حتى تموت، والقتل بالحجارة من أَسوإِ قتل أَو الرجم استعارة تشبيها للقتل بأَصعب الوجوه بالقتل بالحجارة، كالقرض بالمقاريض أو كناية عن ذلك أَو استعارة للشتم والإغلاظ فى القول كقوله تعالى: { { لأَرجمنك واهجرنى مليا } [مريم: 46]، أَو أُريد بالرجم الإخراج من أرضهم والوجه الأَول أَولى لأَنه أَظهر { وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } بغالب أَو بذى شأْن واحترام فيمنعنا ذلك عن رجمك، وإنما العزة عندنا لقومك لهم شأْن عندنا مع قلتهم واحترام قائِم مقام الغلبة ولو لم تكن لهم غلبة ولعزتهم لم نرجمك كما قال
{ قالَ يَا قَومِ أَرهْطِى } إنكار وتوبيخ { أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللهِ } من جانب الله أو دين الله أَو نبى الله { وَاتَّخَذتُمُوهُ } أى الله { وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيَّا } قيل المعنى إن العزيز قومك لا أَنت لكونهم فى ديننا، ولهذا الحصر، ولولا أن العبارة للحصر لم يجبهم بقوله: أَرهطى إلخ، وكان الجواب باسم التفضيل لأَن لله العزة عندهم وإن لم تكن عندهم فالآية كقول على لأَن أَصوم يوما من شعبان أَحب إِلى من أَن أُفطر يوما من رمضان، ولا حب له فى إفطار يوم من رمضان، وكقول غيره لأَن أُفطر يوما من رمضان أَحب إِلى من أَن أَصوم يوما من شعبان، والمعنى لو كان كذا محبوبا كان كذا أَحب، أَو كقولهم العسل أَحلى من الخل أَو الخل أمر من العسل، والصيف أَحر من الشتاء والشتاءُ أَبرد من الصيف، بمعنى أَن كذا فى صفته أَشد من كذا فى صفته ولم يقل أَعز عليكم منى، لأَنه لا عزة له عندهم فلا يصح ما قيل من أَن التقدير أَعز عليكم من نبى الله، والظهرى بكسر الظاءِ من شذوذ النسب كإِمسى بالكسر ودهرى بالضم نسب إِلى أَمس ودهر، والأَصل فى الكل الفتح، الشىءُ المنبوذ وراءَ الظهر، يقول: الواجب عليكم أَن تراعوا حق الله وحقى بالنسبة إليه بالرسالة وبالنسبة إلى الرهط بالرحم كذا قيل، وفيه أَنه قد احترموه لرهطه فلم يرجموه، ويجاب أَنه أَراد أَن يحترموه لله تعالى و للرحم، والكلام استعارة تمثيلية وعن مجاهد الهاء للشرع المفهوم من المقام، وعن الزجاج لأَمر الله تعالى ويكفى عن القولين قولنا الهاءُ لله تعالى، وقيل الضمير لله تعالى والظهرى المعين والجملة حال على تقدير قد أَو دونه والمعنى والحال أَنكم تتخذونه معتمدكم، وهذا على فرض أَنهم اتخذوه معتمدا، وفى هذا الوجه من الحالة يجوز تقدير مضاف والمعنى واتخذتم عصيان الله معينا فى عداواتى وكذا أُجيز عود الهاءِ للعصيان المعلوم من المقام فيتحد المعنى، والصحيح ما مر، والعطف على الاسمية جائز { إِنَّ رَبىَّ بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } عالم به كله فلا يفوته عقابكم.