التفاسير

< >
عرض

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً
٣
-النصر

تيسير التفسير

{ فَسَبْح بِحَمْدِ رَبِّكَ } سبح الله أى نزهه بقلبك أو مع التلفظ بسبحان الله أو بغيره عملاً لا يليق ملتبساً بالثناءِ بأَنواع المحامد وإضافة الحمد لمنصوبه لا للفاعل فهو متعلق بحال محذوفة، ويجوز تعليقه بسبح أى مع حمد ربك وجوز أن تكون الباء للإٍستعانة فتتعلق بسبح وهذا لا يصح إلاًَّ على جعل إضافة الحمد إلى الفاعل أى بحمد ربك نفسه وليس تسبيح من يقول صفاته هو معطلاً لبعض الصفات كما قيل ويجنب النقص فلا يقال سبحان ربى الأسفل ولو كان فى موضع، وقيل نزهه عن العجز عن تعجيل الفتح وأحمده على أن أخره لحكمة وهو تفسير لا يفهم من الآية بل المراد العموم كما مر وما روى عن عائشة من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر فى ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد اللهم اغفر لى يتأول قوله تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره أى يعمل بمعناه لا يوجب أن يكون تفسيراً لها ولا مرجحاً لتفسيره بذلك بل هو بعض عمومها، وكذا ما فى البخارى عنها أنه كان يكثر فى آخر أمره سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه وقال كان ربى أخبرنى أنِ سأرى علامة فى أُمتى وأمرنى إذا رأيتها أن سبح بحمده واستغفره فإن التسبيح المأمور به غير مختص بالعجز المنفى المذكور بل عن كل نقص والتسبيح فى الحديث على العموم وكذا عن أم سلمة كان - صلى الله عليه وسلم - لا يقوم ولا يقعد ولا يجىءَ ولا يذهب إلاَّ قال سبحان الله وبحمده أستغفر قال إنى أُمرت بها وقرأ السورة قال عبد الله بن مسعود لما نزل إذا جاءَ نصر الله. الخ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر إذا قرأها وركع أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم أغفر لى إِنك أنت التواب الرحيم ثلاثا وزعم بعض أن سبح أمر بالبقاءِ على الحمد والتصرف وقيل سبح بمعنى قل سبحان الله تعجباً من تيسير الله عز وجل لك النصر والفتح على أهل الحرم بحيث لا يخطر ببال أحد وأحمده على صنعه والتعجب سبب للتسبيح وهو خروج عن الظاهر ومخالف للحديث وأيضاً التعجب غير كسبى فكيف يؤمر به وهذا من باب استعمال أداة الاستفهام للتعجب لا معناها أن هذا أمر عجيب فكذا الآية وكأَنه إخبار بأَن ذلك أمر من شأنه أن يتعجب منه وكذا تفسير الصلاة هنا بالتسبيح مخالف للظاهر ومخالف للحديث والمقام وصلاته ثمانى ركعات فى بيت أُم هانىءٍ أو فى داخل الكعبة أو أربع للضحى وأربع للفتح لا يجب أن تكون تفسيراً للآية بل هى بعض الآية من التسبيح والحمد ولا سيما أن الضيح أنه لم يصل الثمانى حين دخل الكعبة وشهر أن الثمانى بتسليمة واحدة ولو كانت أربعا للضحى وأربعا للفتح لفصل بالتسليم وصلاة الفتح مسنونة وقد صلاها سعد يوم فتح المدائن ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة متواضعاً بقلبه وجسده حتى كاد رأسه يمس عود مقدم الرحل وقال لأهل مكة ما تقولون؟ قالوا: أخ كريم قال إذهبوا فأَنتم الطلقاءِ فلقبوا بذلك وأقام بعد الفتح فى مكة خمسة عشر يوماً وهو يقصر ولا يصلى صلاة الجمعة فخرج إلى هوازن وثقيف وقد نزلوا حنيناً.
{ وَاسْتَغفِرْهُ } ولو لم يكن لك ذنب إعظاماً لله تعالى وهضماً للنفس أو تعبداً وعما يصدر سهواً أو نسياناً أو عما أبيح له وكان الأولى خلافه أو عن الإقتصار عن عبادة وترك ما هو أعلى منها من العبادات والإشارة إلى قصور العابد عن الإتيان بما يليق بجلال الله تعالى ورأيت بعد ما كتبت ما هو فى معناه أنه أبدا على الترقى فى العبادات فكلما كان فى مرتبة منها استغفر من التى كان عليها قبلها أى من الإقتصار عليها، وقيل عما قبل النبوة مع أنه لا يعمل قبلها الصغائر ولا الكبائر ومن زعم أن الصغائر تصدر من الأنبياءِ قال استغفاره منها وقيل استغفره لذنوب أُمتك ويناسبه أن الله عز وجل أمره بذلك وقال واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وقيل لتعليم أمتك وكان يستغفر فى اليوم والليلة سبعين مرة، وقيل أكثر، وقيل مائة وجاءَ به حديث وكلما قام من مجلس قال سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ويشرع لمن سلم من الفريضة أن يستغفر ثلاثا وقدم الحمد على أن التخلى قبل التحلى لأَنه لله بالإجلال لجلاله والاستغفار لقصور فى العبد ولكراهة أن يشرع الإنسان فى الدعاءِ قبل التملق لله تعالى بأَلفاظ المدح والتضرع ولأن تعقيب العبادة مشروع كما شرع بعد الوضوءَ وبعد الإفاضة وبعد المكتوبة وبعد التهجد
"ومن قال حين يأَوى إلى فراشه أستغفر الله العظيم الذى لا إله إلاَّ هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه ولو كانت كزبد البحر ورمل عالج وورق الشجر" و "من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً" و "لو لم تذنبوا لجاءَ الله تعالى بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم" .
{ إنَّهُ كانَ } فى الأَزل قاضياً أن يخلق الخلق ويتوب عليهم ومن شأنه أن يقبل التوبة أو كان حين خلق المكلفين.
{ تَوَّابَا } مبالغاً فى العفو فإن صورة كراهة الله عز وجل المعصية كصورة إعراض وصورة العفو كصورة الراجع بعد الإعراض أو تواباً مبالغاً فى قبول التوبة والمبالغة فى الوجهين تحقيق ذلك وكثرة الإفراد من التائبين ولا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار وما أصر من استغفر ولو عاد فى اليوم سبعين مرة ويناسب ذلك رجاءَ المستغفر وطمعه فى القبول وكأَنه قيل لأَنه كان تواباً ولم يقل إنه كان غفاراً مع أنه قال واستغفره لأَن الاستغفار إنما ينفع مع التوبة ولا ينفع الإستغفار بلا ندم وقد قيل أن الأَصل استغفره أنه كان غفاراً وتب إليه إنه كان تواباً الله لا إله إِلاَّ هو الملك الحى القيوم ذو الجلال والإِكرام أستغفر الله الرحمن الرحيم اللهم إقض لى كل حاجة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.