التفاسير

< >
عرض

وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ
٤
-الفلق

تيسير التفسير

النفوس النفاثات فيشمل نفوس الرجال والنساءِ وزعم بعض أن المراد بنات لبيد إِذ سحرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خصوصاً ويلحق بهن غيرهن وليس كذلك، والنفث يكون من الرجال والنساءِ فهو أولى لعمومه بخلاف من قدر النساءِ النفاثات فإِنه مختص بالنساءِ وأنه أنسب بالواقع فإن المشهور أنه سحره رجل ويقال أعانه بعض النساءِ ولأَن السحر من النفوس الخبيثة فتقدر النفس وإذا قدرنا النفس فلا تغليب كما زعم بعض أن المراد هنا العموم للرجال والنساءِ وأن النساء غلبن هنا على الرجال كما يغلب جمع الذكور على جمع الإناث فى الصفات إلاَّ أن أراد قائله بالتغليب أنه أُريد النساء وأنه لم يذكر الرجل لأنهن أعظم سحراً، والنفث النفخ على ريق قليل وقيل بلا ريق وأما مع ريق فثفل وذلك جائز فى الصلاح كما كان - صلى الله عليه وسلم - ينفث على أهله إذا اشتكوا بالمعوذات فالجمهور من الصحابة وغيرهم على جواره وكره عكرمة النفث والمسح والعقد وأنكر جماعة الثفل والنفث وأجازوا النفخ بلا ريق، ويروى أن لبيد بن الأعصم وبناته لعنهم الله سحروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل شيئاً ولم يفعله وأنه أتى أهله ولم يأتهن ولا يقدح هذا فى النبوة لأنه حال الوحى وإقامة الحجة والتبليغ حاضر العقل وهذا أمر حادث شاذ وما هو إلاَّ كمرض شديد ونوم، وتكلف بعض أنه كان التخيل على بصره لا على قلبه، قال ابن عباس وعائشة كان غلام من اليهود يخدم النبى - صلى الله عليه وسلم - فلم تزل به اليهود حتى أخذ من مشاطة رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدة من أسنان مشطة فأَعطاها اليهود فسحروه فيها وتولى ذلك لبيد بن الأعصم فنزلت السورتان المعوذتان، ويروى أنه لبث ستة أشهر واشتد عليه ثلاث ليال فنزلت المعوذتان، وفى الصحيحين عن أبى سعيد الخدرى أن جبريل عيله السلام أتى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال "يا محمد اشتكيت، قال: نعم، قال: قل بسم الله أرقيك من كل شيءٍ يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك" ، ويروى أنه أرسل عليا فجاءَ بذلك من البئر إليه - صلى الله عليه وسلم - فلم يحضر - صلى الله عليه وسلم - معه فإما أنه قصة أخرى غير التى ذكروا أنه حضر عند البئر وإما أنها واحدة والمعنى أنه جاءَه بذلك من أسفل البئر أى جانبه فوق، وروى أنه دعا الله ثم دعا فجاءَه جبريل وميكائيل فكان أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل قال مطبوب أى مسحور، قال من طبه، قال: لبيد بن الأَعصم، قال: فى أى شىءِ قال: فى مشط أى آلة المشط ومشاطة أى ما يسقط بالمشط أو يتعلق بالآلة وجف طلعة ذكر فى بئر دروان أو فى بئر ذى أوراث، ويروى فى بئر بنى زريق، فلما أصبح غدا مع على والزبير وعمار أو أرسلهم ثم تبعهم فدخل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة وهى صخرة فى قعر البئر فإذا فيها مشط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شمع وفيه إبر غرزت وإذا وتر أى خيط فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين فقال يا محمد قل أعوذ برب الفلق وحل عقدة ثم من شر ما خلق وحل عقدة حتى فرغ منهما وحل العقد وما نزع إبرة إلاَّ وجد لنزعها ألماً تعقبه راحة حتى فرغت السورتان والعقد فكأنما نشط من عقال وقال - صلى الله عليه وسلم -" "كأن ماءها نقاعة الحناءِ وكأَن نخلها رءُوس الشياطين" ، وأمر بما استخرجوا فدفن وقالت عائشة يا رسول الله أفلا أحرقت لبيدا؟ قال: لا، قد عافانى الله ولا أثير شراً على الناس وما يراه من عذاب الله تعالى أشد.