التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢١
-يوسف

تيسير التفسير

{ وَقَالَ الَّذِى اشْتَراهُ } من بائِعه الذى هو مالك بن ذعر ومشتريه ملك مصر، التقطه مالك فاشتراه من إِخوته فباعه فى مصر فاشتراه ملك مصر، وهو العزيز الذى على خزائِن مصر قطفير أَو إطفير، والملك فوقه هو ريان بن الوليد آمن بيوسف ومات فى حياته، وقيل اشتراه خباز الملك وصاحب شرابه، وسجنه، وملك بعد ريان المذكور قابوس ابن مصعب فدعاه يوسف إِلى الإيمان فأَبى { مِنْ مِّصْرَ } أَى من أَهل مصر، أَو فى مصر؛ لأَن السيارة جاءُوا به إٍلى مصر فاشتراه بعض أَهل مصر، روى أَنه اشتراه وهو ابن سبعة عشر عاما، وقيل: ابن اثنى عشر عاما، وقيل ابن خمسة عشر، ولبث فى منزل العزيز ثلاثة عشر عاما، وكان وزير الريان وهو ابن ثلاثين، وآتاه الله الحكمة وهو ابن ثلاث وثلاثين ومات وهو ابن مائة وعشرين، ومدته فى السجن سبع سنين معدودة عند بعض من مدة لبثه عند العزيز، وقيل: فرعون موسى عاش إِلى وقت موسى أَربعمائة سنة، وهو باطل لأَن بين يوسف وموسى أَكثر من ذلك،وعلى هذا القول يكون المراد فى قوله: " { ولقد جاءَكم يوسف } "[غافر: 34] إِن يوسف بن يعقوب حييى إلى زمان فرعون موسى، وقيل فرعون موسى من أَولاده فرعون يوسف وهذا الشراءُ بعشرين دينارا ونعلين وثوبين أَبيضين، وقيل وزنه فضة، وقيل ذهبا، وقيل حريرا، وقيل مسكا، وقيل: هذا الشراءُ هو الشراءُ الأَول بثمن بخس لا شراء آخر التقطه فباعه فى مصر { لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمى مَثْوَاهُ } هى الزليخا - بفتح فكسر أَو بضم ففتح - وقيل: راعيل. ويقال هما امرأًة واحدة، وأَحد اللفظين اسم لها وهو راعيل والآخر لقب وهو زيليخاء، وقيل بالعكس، والمثوى: المقام، اجعلى مقامه حسنا بتعهده بالطعام الحسن واللباس الحسن وعدم استخدامه { عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا } بطريق العبودية من الاستخدام للرعى والسقى والحرث وسائر المصالح { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } نصيره كولد نرفهه ولا نستخدمه، وذلك فى مقابلة قوله ينفعنا، وإلا فالولد ينفع والديه بالخدمة أيضا، وأَو لمنع الخلو وهو الصحيح، وقيل الجمع على معنى عسى أَن نبيعه وننتفع بثمنه، وإٍنما قال ذلك لما تفرس فيه من الأَدب والرشد مع شدة شوقه للولد وكان عقيما، وروى أَنه لا يشتهى النساء، أَخرج سعيد بن منصور وابن أَبى شيبة والحاكم وصححه عن ابن مسعود موقوفا: أَفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر إِذ عزم أًن يتبنى يوسف، وابنة شعيب إِذ قالت يا أَبت استأْجره أى لما رأت من قوته وورعه، وأَبو بكر حين استخلف عمر، وقوله عزم مراعاة لما رأى من عاقبة الأَمر وهى التبنى، وإِلا فالآية احتمال، ولعله جعل أَو بمعنى بل، والفراسة خاطر ينشأُ من قوة الإيمان يهجم على القلب فينفى ما يضاده فإِن لقلب المؤمن نورا يدرك به ما هو باطن لا دليل عليه، قال صلى الله عليه وسلم: " اتقوا فراسة المؤْمن فإٍنه بنور الله يبصر" كذلك قيل فى تعريف الفراسة وهو غير جامع، فإِن الفراسة لا تختص بالمؤْمن، كما أَن العزيز إِذ ذاك غير مؤْمن فالأَولى أَن الفراسة هى التفطن الغامض؛ فالفراسة خاطر ينشأُ من قوة الفهم، وسأَله مالك بن ذعر بعد ما باعه من أَنت وابن من أَنت فأَخبره، فقال: لو علمت لم أَبعك، فسأَله الدعاءَ فدعا له بالبركة فحملت امرأَته اثنى عشر بطنا فى كل بطن غلامان { وَكّذَلِكَ } كما مكنا محبته فى قلب العزيز بحيث لا يصبر عنه، أَو كما مكنا له فى منزل العزيز بمعنى جعلنا له مأْوى كريما فى منزل العزيز، أَو كما أَنجيناه من كربة الجب وعطفنا عليه قلب العزيز { مَكَّنَا لِيُوسَُفَ } وإِنما لم يقل مكنا له لأَنه لم يذكر يوسف فى قوله: وكذلك { فِى الأَرْضِ } جعلنا له فى سائر الأَرض مكان قبول ووجاهة وملك وتصرف { وَلِنَعَلِّمَهُ } عطف على محذوف أَى ليتصرف فيه بالعدل، ولنعلمه ولنملكه، أَو وفعلنا لنعلمه { مِنْ تَأْوِيِل الأَحَادِيثِ } والواضح أَن اللام للعاقبة، أَو يقدر أَصبنا يوسف بتلك المصائب لنعلمه؛ أَى لنثيبه عليها بالتعليم، أَو تجعل الكاف للتعليل والإِشارة لما أُصيب به يوسف، أَى مكنا له فى الأَرض لكذلك الذى أصابه، وأَصابه ذلك لنعلمه، وأَما ما مر من جعل التعليم علة للتمكين فلا يظهر تقديم التمكين معلولا للتعليم بعده، والمراد تأْويل الرؤْيا أًو تفسير ما أَدركه من كتب الله وكلام الأَنبياءِ قبله، وليس المراد بمن القلة بل المراد تعلمه جملا من التأْويل، ولو كان " من " للتبعيض وإِن جعلت للقلة فالنسبة إِلى سعة علم الله - عز وجل -، والمعنى وليعلم من تأْويل الأًحاديث، ولما كان العلم لازما للتعليم ومسببا له عبر عنه بالتعليم، فبعلمه يدير مصالح العامة والخاصة بالعدل، ومن ذلك تفسيره الرؤيا بسبع سنين القحط { وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ } على أَمر الله لا يمنعه عنه شىءٌ ولا ينازعه فيه أَحد وذلك على الإِطلاق، وشمل أَمر يوسف، أَو المراد لا يرده أَحد عما شاءَ فى شأْن يوسف من إٍعلاءِ منصبه حتى كان سعى إِخوته فى كيده سعيا فى علو شأْنه، وعلى هذا فالهاءُ لله أَو ليوسف { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أَن الله غالب على أَمره لا شىءَ منه لأَحد، فيتوهمون وقوع ما لم يرد وقوعه كالمشركين والمعتزلة، أَو يقتصرون على ما يظهر لهم فيقصدونه ولا يعلمون ما يتولد منه وما يصرفه الله إليه، وقليل من الناس علم ذلك، وقيل أًكثر الناس المشركون، وقيل أَهل مكة، وقيل أَهل مصر، وقيل قصد بالأَكثر الكل لكن على معنى أَنه لا يطلع أَحد على الغيب.