التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ
٢٤
-يوسف

تيسير التفسير

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } قصدت منه المباشرة بعزم قوى حتى أَنها مدت يدها وقصدت المعانقة، ويوقف هنا ويبدأُ بقوله: { وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ ربِّهِ } فهو لم يهم بها لأنه رأَى برهان ربه، ولولا للامتناع وهو نفى كأَنه قيل لولا أَن رأى برهان ربه لهمَّ بها، وربه الله، وقوله ربى بمعنى الله فالمعرفة عين الأُولى وإن كان ربى بمعنى العزيز زوج زليخا فمن المعرفة المعادة مغايرة للأُولى؛ إِلا أَن يراد مطلق الملك والسيادة ولو كانت لله حقيقة ولغيره توسعا، فالأَولى أَن يجعل ربى بمعنى الله لبعد أَن يقر نبى الله بأَنه عبد لمخلوق أَو تحت حكمه، وقيل: إِن يوسف هم بها بالطبع ولا يكلف عليه لأَنه ضرورى فلا عقاب عليه ولا ذم بل مدح لكونه عصى هذا الهم لله عز وجل أَو شارف الهم بها بأَن يميل، ولم يمل كمن صام رمضان واشتد عليه العطش فنفسه يعجبها الشرب ولم يقصد أَن يشرب، وسمى ما ليس هما بهم للمشاكلة، وعلى هذين فجواب لولا محذوف لم يتقدم ما يغنى عنه، أًى لولا أَن رأى برهان ربه لفعل، وعلى هذين يوقف على هم بها لا على همت به، وما ذكرته أَولى، ولا يقال لو كان البدء بهمَّ بها لقرن بلام الجواب إِذ كان مغنيا عن جوابها؛ لأَنا نقول: إٍنما يقرن جوابها المتأَخر لا مغن عنه متقدم، مع أَن قرن جوابها باللام غير واجب، ولسنا نقول إِنه جواب مقدم وجواب لولا لا يقدم، ولما كان مغنيا عن جوابها صح له الاستقبال، كما تقول: زيد إٍن قمت تريد يقوم زيد إن قمت، وحرم ما قيل إِنه همَّ بها وحل سراويله، وما قيل إنه قعد بين رجليها، والقول بذاك فى نبى فسق، والحجة فى ذلك عصمة الأَنبياءِ قبل البعثة وبعدها، لا قوله: هى راودتنى بل قوله: { لنصرف عنه السوءً } لأًن ذلك سوءٌ، وقوله: { { لم أَخنه بالغيب } [يوسف: 52]؛ لأَن ذلك خيانة، ولا قوله: " { الان حصحص الحق } "[يوسف: 51] إِلخ، ولا قوله: " { ما علمنا عليه من سوءِ } "[يوسف: 51] لأَنها قد لا تعد حل السراويل والقعود بين الرجلين سوءاً، لأَنه ترك ذلك، وبرهان ربه أًنه مثل له يعقوب فضرب بيده صدره فخرجت شهوته من أَنامله، أَو قال له: أَتعمل عمل السفهاءِ وأَنت مكتوب فى الأَنبياءِ، أَو انفرج سقف البيت فرآه عاضّاً على أُصبعيه، أَو رأَى مكتوبا فى حائط: " { ولا تقربوا الزنى إِنه كان فاحشة وساءَ سبيلا } " [الإِسراء: 32] وإنها سترت حينئِذ صنما لها، فقال: لم؟ فقالت: حياءً منه، فقال: أَنا أَحق بالحياءِ من ربى، ففر، أَو نودى: أَتواقعها، مثلك ما لم يواقعها كطائِر فى الجو لا يطاق وكثور صعب لا يطاق وإِن واقعتها فكطائر على الأًرض مكسور الجناح لا يدفع عن نفسه، وكبقرة ذبحت لا تدفع عن نفسها، أَو أَنه رأَى معصما بلا كف كتب عليه: " { وإن عليكم لحافظين، كراما كاتبين، يعلمون ما تفعلون } "[الإِنفطار: 10 - 12] فهرب ثم رجع فعاد المعصم، وعليه: " { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } "[البقرة: 281] فهرب ثم رجع فعاد فأًوحى الله إلى جبريل أَدرك عبدى قبل أَن يصيب الخطيئة، فانحط جبريل عاضا على أُصبعه يقول: يا يوسف أَتعمل عمل السفهاءِ وأَنت مكتوب عند الله من الأًنبياءِ، وقيل: انحط فمسه بجناحيه فخرجت شهوته من أَنامله، وما ذكر من الذهاب إِليها لا يصح عندنا ولو عقبه الرجوع { كَذَلِكَ } أًريناه البرهان إِراءَةَ مثل ذلك أًو عصمناه مثل ذلك وهى نفس ذلك فهذا تأْكيد، ويجوز فى مثل ذلك أَن يشبه شأْن الإِخبار بشأْن ما عنه الإِخبار، ويجوز أَن يراد الأَمر كذلك أو العصمة كذلك، ويجوز كون الكاف فى ذلك ونحوة صلة أَى الأَمر ذلك، أَو أَثبتنا ذلك، أَو جرت أَفعالنا أًو أَقدارنا، والفعل أَولى لأَنه أَشد مناسبة لتعليق اللام به من قوله: { لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ } والإِشارة إِلى الرأْى مصدر رأى وهو مذكر؛ لا إٍلى الرؤْية بتأْويل ما ذكر، ولم يقل لنصرفه عن السوءِ للدلالة على كمال عصمته عليه السلام حيث لم يتوجه إِلى السوءِ والفحشاءِ قط، ولا تأَهل للتوجه إِليهما أَو للقرب إِليهما، وإِنما توجه إِليها ذلكَ من خارج فصرف منه، ولكن المتعارف الصرف عن العقلاءِ لا صرفهم عن غيرهم، غير أَنه قد ورد مثل ذلكَ كما يقال: كفه الله عن المعصية وأَخلصه منها، والسوءُ خيانة الزوج، والفحشاءُ الزنا، أَو السوءُ مقدمات الزنا من نظر والقبلة والمس، وذلكَ مناسب للحال والمقام، ويجوز أَن يراد مطلق السوءِ والفحشاءِ فيدخل ما ذكر فى العموم أَو هما واحد، سمى سوءاً من حيث إِنه ضار وفحشاء من حيث قبحه، ويناسب هذا قولها " { من أَراد بأَهلك سوءاً } "[يوسف: 25] { إِنَّهُ } تعليل جملى أَى لأَنه { مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } الذين اصطفيناهم للعبادة على الإِطلاق، وهو أًيضاً من ذرية إِبراهيم،ومن قوله: " { إِلا عبادك منهم المخلصين } "[الحجر: 40] ومن قوله تعالى: " { إِنا أَخلصناهم } " [ص: 46].