التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ
٥٢
وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٣
-يوسف

تيسير التفسير

{ ذَلِك } أَى قال يوسف طلب إِظهار ذلك { لِيَعْلَمَ } أَى العزيز وقد بعد ذكره لكن دل عليه قوله: { أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } أَى فى أَهله، والباءُ ظرفية متعلقة بأَخنْه، أَى فى مكان الغيب عن وجهه، أَو زمان الغيب عنه، أَو متعلق بمحذوف حال من الهاءِ أَو ضمير أُخن، وقيل: ضمير يعلم وهاء أَخنه لله عز وجل، والصحيح الأول { وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِى كَيْدَ الْخَائِنِينَ } أَى لا ينفذه فهو زائل، وهداية الكيد مجاز عن إِنفاذه بعلاقة اللزوم، والتنفيذ لازم للهداية، استعارة تبعية إِذ التنفيذ كالهداية فى وصول المطلوب، أَو لا يهدى الخائنين بكيدهم، فالمجاز فى الإِيقاع والهداية على حقيقتها أَو وقعت على الكيد لكونها سببا لعدم الهداية، وإِذا عدم السبب عدم مسببه بالأَولى، وفيه تعريض لزليخاءَ أَو راعيل لأَنها خانت العزيز، وقد يقال ضمير يعلم للملك أَى ليعلم الملك أَنى لم أَخنه فى وزيره العزيز؛ لأَن خيانة الوزير خيانة للملك، وفى ذلك أَيضاً تأْكيد لأَمانته، أَى لو كنت خائِنا لم يهد الله كيدى، وسمى ثباته كيدا للمشاكلة، أَو استعارة، وصاحب الفعلة السيئة لا يذكر أَصحابها بسوءٍ ولا يدعو عليهم لأَن ذلك ذكر لنفسه ودعاء على نفسه، ولكونه تأْكيدا عقبه متواضعا بقوله:
{ وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِى } عن السوءِ من حيث هى هى، بل من حيث عصمه الله إِنعاما على
" { وَأَما بنعمة ربك فحدث } "[الضحى: 11] { إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارةٌ بِالسُّوءِ } فتستخدم الجوارح فىالمعصية، تميل بالطبع إِلى الشهوات وتعرض عن الطاعات، سواءٌ أَنفس الأَبرار وأَنفس الفجار، لاَ يمكن دفعها فى بدءِ الأَمر، وإِنما المعتبر ثانى الحال فيقدم إِليها من لم يفارقه التوفيق، فيجوز أَن يكون المعنى؛ ما فى وسعى أَن أَبرىءَ نفسى عن الهم بما تشتهى، وإِنما دفعته ببرهان، وروى أَنه لما قال: { إٍِن الله لا يهدى } إِلخ، أَو إِذ قال: { وما أُبرىءُ } إِلخ، أَو إِذ قال: { لم أًخنه } قالت هى أَو جبريل: ولا حين هممت، أَو قالت: ولا حين حللت السراويل، وأَجاز بعضهم الصغيرة على الأَنبياءِ قبل النبوة، وأَنت خبير بأَنه لم يصح حل السراويل، ولا الهم إِلا الخطور بل مطلق ما بالطبع لا يدخل تحت التكيليف، فأَجابهما بقوله: { وما أُبرىءُ نفسى } فى أَحوالها، وليس هذا إِقرار اللهم إَلا أَن يقر لجبريل عليه السلام بالهم الطبعى الذى لا يدخل تحت التكليف، وليس قصدا إِِليها فيكون جبريل قابله بما هو طبعى تنبيها وزيادة فى اتضاعه { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّى } ما مصدرية والاستثناءُ منقطع، والمعنى؛ ولكن رحمة ربة هى المعتبرة أَو الصارفة عن السوءِ كقوله تعالى: " { ولا هم ينقذون إِلا رحمة منا } "[يس: 43 - 44] أَو اسم واقع على النفس والاستثناء من النفس أَو من المستتر فى أَماره متصل، أَى إِلا ما رحم ربى من النفوس، كنفوس الملائكة والأَنبياءِ فلا تأْمر بالسوءِ، والنفس غير عاقل فصحت له ما فهو أولى من إِيقاع ما على الأَنبياءِ لأَنهم عاقلون، قيل: أَو ما مصدرية والمصدر ظرف أَى إِلا رحمة ربى أَى وقت رحمة ربى فإٍنها لا تأَمر بالسوءِ، وفيه التفريغ فى الإٍثبات، والمعنى الأَمارة بالسوءِ فى جميع الأَوقات إِلا وقت رحمة ربى، والمراد جنس النفس لا الاستغراق فلا يدخل نفسه يوسف والأَنبياءُ مع أَن أَكثر الأَوقات تأْمر فيه أَنفسهم بالسوءِ، وقيل الآية إِلى قوله { إِنَّ ربِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ } من قول زليخاءَ وهى راعيل، فتكون داخلة فى قوله: قالت امرأَة العزيز فيكون المعنى ذلك الاعتراف ليعلم يوسف أَنى لم أَخنه بنسبه المراودة إِليه والافتراءُ عليه فى غيبته كما نسبناها إِليه فى حضوره، والجمهور على أَن ذلك من كلام يوسف، قال أَبو حيان: لا يبعد وصل كلام إِنسان بكلام إِنسان آخر كقوله تعالى:" { إِن الملوك إٍذا دخلوا قرية } "[النمل: 34] إٍلخ وصل بكلام بلقيس قوله: " { وكذلك يفعلون } "[النمل: 34] وليس منه، هذا وجه والنفس البدن والقلب، والنفس العقل، والنفس شىء كالعقل إِذا دعا للمعصية فالأَمارة بالسوءِ، وإِذا امتنعت فاللوامة، وإِذا أَمرت بالطاعة فالمطمئنة، وإِن ربى غفور لمن استغفر من ذنبه بعينه، أَو من ذنوبه عموماً، ولم يقصد الإِصرار على واحد منها ذلك من كلام المرأَة خال عن الإِشكال، وعلى أَنه من كلام يوسف غير اعتراف بأَنه هم ولا خان، لكن جاءَ به عموماً أَو هضماً لنفسه بأَن عد الهم الذى هو ضرورى لا يدخل تحت التكليف ذنبا، أَو أَراد غفران ذنب زليخاءَ وهى راعيل.