التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
٧٠
-يوسف

تيسير التفسير

{ فَلَمَا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } أَصلح لهم عدتهم وأَوقر ركائِبهم وذلك تأَكيد قولك نطقت بلسانى، وتجر بالباء للمبالغة كأنه انتزع من جهازهم لكماله جهازاً آخر والفاءُ لسببية الإِيواءِ لجعل السقاية فهى داخلة على جعل، ولعدم السبب فى لفظ التجهيز الأَول كان بالواو لا بالفاءِ، وفى الفاءِ تلويح بسرعة الرجوع، ولذلك لم يكن الأَول بالفاءِ أَيضاً فإِن الأَول بطول مدة الإِقامة ليتعرف الملك أَحوالهم { جَعَلَ } يوسف، وقيل غيره لكن أَسند الجعل إِليه لأَنه أَمر { السَّقَايَةَ } وعاءٌ من ذهب مرصع بالجواهر، وعن عكرمة: من فضة مرصعة بالجواهر، وقيل مموهة بالذهب، وقيل من ذهب كان مشربا له ثم جعله مكيالا لعزة الطعام الذى يكال به، قيل: كانت مستطيلة تشبه المكوك الفارسى الذى يلتقى طرفاه، وقيل من فضة تسقى الدواب بها { فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ } نادى { مُؤَذِّنٌ } بعد مدة طويلة مثل أَن ينفصلوا عن البلد، أَو عمرانه أَو دخلوا بلدة أَخرى كما قيل وصلوا بلبيس، ومعنى مُؤَذن من شأْنه أَن يؤَذن، أَو رجل معروف بالنداءِ، ولعله كرر النداءَ بدليل التشديد { أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقونَ } العير هنا الناس الراجعون من السفر مع إِبلهم المحملة للميرة، وأَصله الإبل المحملة لها لأَنها تعير أَى تجىءُ وتذهب ثم صارت حقيقة عرفية لها مع الذين معها، ولكن المراد هنا أَهلها الذين معها للخطاب بالسرقة، أَو الآية على الأَصل المذكور لكن سمى أَهلها باسمها لعلاقة الجوار بالسير والمكث وبالحمل لهم وعليها وبالملك لها، والرعى والسقى والإطعام، أَو يقدر مضاف أَى يا أَهل العير، ويطلق العير أَيضاً على كل ما يحمل عليه من إِبل وحمير وبغال سمى لأَنه يعير أَى يجىء ويذهب، وقيل: المراد هنا الحمير، وهو اسم جمع ولا واحد له من لفظه، وقيل جمع عير بفتحها الحمار فتكون القافلة حمرا فى هذا القول، وقد تطلق القافلة على المسافرين تفاؤْلا بالرجوع، والخطاب فى الآية مثله فى قوله صلى الله عليه وسلم: " يا خيل الله اركبى" رواه سعيد ابن جبير، وعن قتادة ابن النعمان: بعث صلى الله عليه وسلم منادياً ينادى يوم الأَحزاب: " "يا خيل الله اركبى" وروى أَن أَنس بن حارثة ابن النعمان قال: يا رسول الله ادع الله لى بالشهادة فدعا له فنودى يوماً " يا خيل اركبى" وكان أَول راكب وأَول فارس استشهد، فأَطلق الخيل على أَصحابها للجوار المذكور، وإِذا قيل جمع عير بالفتح فالصلة عور بضم العين كسرت لتسلم الياءُ من قبلها واو، أَو ذلك كسقف بضم فإِسكان جمع سقف بفتح فإِسكان، وذلك شبيه بباب فعل بضم فإِسكان فى جمع أَفعل وفعلاء فى الأََلوان والعيوب من معل العين كبيض فى جمع أَبيض وبيضاءَ، وإِنما قال: اركبى لتأْويل الفرسان بالجماعة، ولا ظلم فى خطاب الجماعة بالسرقة مع أَنهم لم يسرقوا لأَن الله - عز وجل - أَباح لهم ذلك الخطاب كما أَباح له مَا يزيد به حزن أَبيه يعقوب، وكما أَباح له نسبة السرقة إِليهم بمعرضة لمصحلة، وأَما بلا إِباحة من الله فيبحث فيه بأْن المعرضة تضرهم فلا تكون جواباً، وقيل أنهم لا يتضررون بذلك لظهور أَن ذلك حكم على المجموع، أَى فيكم سارق فإِنهم تعددوا وأَيضاً معهم غيرهم بدليل قوله: { { والعير التى أَقبلنا فيها } [يوسف: 82]، وبنيامين متفق فى ذلك مع يوسف راض كما مر، وسمى ذلك سرقة تجوزا للمشابهة، وأَما ما قيل أَنه أُريد لسارقون يوسف من أَبيه بأْن شبه احتيالهم فى أَخذه بالسرقة فيرده قوله: قالوا: نفقد صواع الملك، ويجاب بأَنه أَخفى أَولا المسروق ليخرج عن الكذب، وأَظهر ثانياً المراد وهو الصواع، ويجوز على ضعف أَن يكون على حذف الاستفهام أًى أَئِنكم لسارقون، أَو قال المنادى ذلك بلا أَمر من يوسف، لما فقد الصواع شرع فى البحث والنداء فيهم لأَنهم آخر من اكتال فى ذلك اليوم ولم يخبره يوسف بأَنه هو أَخفاه، ولا ظلم فىعدم إِخباره بأْنه أَخفاه لما مر.