التفاسير

< >
عرض

وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٨٢
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٨٣
-يوسف

تيسير التفسير

{ واسأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا } اسأَل أَهل القرية التى كنا فيها وهى مصر على أنهم ردوا إليها للتفتيش، أو قرية بعدها على أنهم لم يردوا إليها، وتطلق القرية أيضاً على أَهلها مجازا أَو حقيقة، وسميت القرية قرية لأنها تقرى الناس أى تجمعهم، قريت الماء فى الحوض جمعته، والأَولى أن المراد مصر؛ لأَن قوله: كنا فيها يناسبه أَشد القرية الأُخرى فلم يطل مكثهم فيها، وما معنى الكون فيها إلا كونهم فيها حين استخراج الصاع على هذا القول، ومعنى قولهم اسأَل القريةَ، أَرسل إِلى أَهلها يجيبوك لأَن يعقوب فى الشام لا فى مصر وأًعمالها، والمراد أسأَلهم عن القصة { وَالعَِيرَ الَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا } وأَهل العير التى أقبلنا فيها، أَو العير التى أقبلنا فيها كله اسم للناس وهم غيرنا جمعنا سفر واحد، بل الظرفية تدل على أن الأَكثر غيرهم، أَو فى بمعنى مع فيكون المتبوع هو الأَصل فهم تابعون فتبادر أنهم أَقل والأَصل الظرفية { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } إنا قوم عادتنا الصدق فما يكون ما أَخبرناك به إلا حقا، وقيل: إنا لصادقون فى قولنا أَنه سرق بحسب الظاهر، ويدل له قوله: { بل سولت } إِلخ، وقيل المراد: اسأَل القرية والعير على ظاهرهما بناءً على أَن الأمر ظاهر حتى لا يخفى عن الجماد والإِبل كقوله:

واسأل نجوم الليل هل زار الكرى جفنى وكيف يزور من لم يعرف

وهذا أَيضا مجاز، هذا آخر كلام كبيرهم الذى أَمرهم أن يقولوا لأبيهم إِذا رجعوا إِليه فقالوا له: نعم نقوله: فرجعوا إٍليه وقالوه له فأجابهم بما قال الله عنه فى قوله:
{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ } ليس الأَمر كما قلتم بل زينت وسهلت أَو خيلت أنه سرق وما سرق، والإِضراب ببل عن دعواهم الصدق أَى لم تصدقوا بل سولت بمعنى أَن ما شاهدتم ولو صدقتم فيه غير خال عن تضمن ما ينقصه، أَو الإِضراب عما يتضمنه من البراءَة عن التسبب فيما نزل بأخيهم كما أَفتوا باسترقاق السارق، وليس من دين الملك وفى معنى ذلك تقدير المحذوف أَى ليس حقيقة كما أخبرتهم بل سولت، أَو الإِضراب عما طمعوا فيه من الخروج عن التهمة لذلك الإِفتاءِ وما فعلوا بيوسف، أَو إِضراب عن جعلهم وجود الصواع فى رحله سرقة { لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً } فعلتموه كيدا فى إِهلاكه أَو تغييبه، وهبوا أنه سرق فمن أَدرى الملك أَن السارق يسترق بسرقته، وإِنما يعلم ذلك من جهتكم، قيل: وكان استرقاق السارق شرعا ليعقوب والأَنبياء قبله، وقد علمه من قولهم:
" { جزاؤه من وجد فى رحله } "[يوسف: 75] وإنما سعى فى أن لا يخبروه لأَنه يظن أَن الملك مشرك حاشاه، والمشرك لا يملك موحدا كما أَن دماءَ المشركين والموحدين لا تتكافأُ { فصَبْرٌ جَمِيلٌ } أَى فأَمرى صبر جميل، أَو فصبر جميل أَحسن، أَو فالواجب صبر جميل، أَو فعلى صبر جميل، من الصبر الجميل أَن لا تتحدث بمصيبتك ولاتزكى نفسك، اتهمهم لا رأى منهم فى يوسف ولعلم الملك بالاسترقاق، واستفيد أَن الظن، ولو قويت أَماراته وكان من أَفاضل الناس لا يؤمن كذبه فهذا يعقوب صفى الله ظن وأَخطأَ فى هذا الظن لأنه لا كيد لهم فى إِمساك بنيامين { عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعاً } يكمل لى إِتيانهم جميعا فقد جاءَ واحد وهو كبيرهم، رجع بعد ما قال: " { لن أَبرح الأَرض } "[يوسف: 80] وبقى اثنان يقدر الله أَن يأْتيانى فيكون قد أَتونى جميعا، أَو الهاءُ للاثنين بنيامين ويوسف، أَو لهما وللكبير، على أَنه لم يرجع إٍلى أَبيه حتى يقولوا له ائْتِ، وعسى منه عليه السلام جزم لعلمه بحياة يوسف وبأَنه سيجتمعون من الوحى أَو ترجح على احتمال أَن لاجتماعهم شرطا اختل أَو تملق إِلى الله وتضرع، ولو جزم أَو خاف لعل اجتماعهم بعد موته، وكذلك قال لعزرائِيل: هل قبضت روح يوسف فقال: لا، وقد يخشى قبضه بعد قوله لا. إِذا تناهت الشدة أَتى الفرج، وأَيضاً قال يوسف: إِذا أَتيتم أًباكم فاقرأُوا له السلام وقولوا له إن ملك مصر يدعو أَلاَّ تموت حتى ترى ولدك يوسف فيعلم أَن فى مصر صديقا { إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } بحالى وحالهم وبكل شىءٍ { الْحَكِيمُ } فى تدبير الأَشياءِ وأَحوالها.