التفاسير

< >
عرض

نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٤٩
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ
٥٠
وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ
٥١
إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ
٥٢
قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ
٥٣
-الحجر

تيسير التفسير

{ نَبِّىءْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وأَنَّ عذابِى هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ } تقرير بإجمال لما تقدم تفصيلا من الوعد والوعيد كما تقول: لك ألفان وثلاثة آلاف، فذلك خمسة آلاف، إِلا أَنه قدم فى هذا الإِجمال ما أَخر من التفصيل، وهو قوله: إِن المتقين إِلخ، وأَخر ما قدم وهو إن جهنم إِلخ، وليس فى ذكر المغفرة ما يدل على أن المراد بالتقين متقو الشرك فإن الكبائِر التى دون الشرك مهلكة إن لم تغفر، والصغائِر أيضا تغفر باجتناب بالكبائِر، والعقاب على الصغائِر مع اجتناب الكبائِر جائز عقلا لا وقوعا لأَن الله عز وجل أخبرنا بغفرانها لو شاءَ لعذب عليها لكن لم يشأْ، وفى الآية توكيد الرحمة والمغفرة وتوسيعهما لأَنه أَخبر بهما عن نفسه وزاد، أَنا وأَخبر عن عذابه بأَنه مؤلم لا عن نفسه بأَنه معذب العذاب الأليم قال الله تعالى: رحمتى سبقت غضبى - وذكر مثل ذلك الوعد والوعيد فى قوله:
{ وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } فإن إبراهيم وأهله ولوطا ومن آمن به متقون، وقوم لوط مجرمون، والمراد بالعباد فى الآية قبل وبضميره فى الآية هذه مطلق العباد، ويجوز أَن يراد بهما عباده المخلصون، فالإضافة للتشريف، وقدم الرحمة تأكيدا وإطماعا وسبقها غضبه، وأكدها بوصفى المبالغة، قال أَبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إِن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأَمسك عنده تسعاً وتسعين وأرسل فى خلقه رحمة واحدة حتى أنه لترفع الدابة بها رجلها عن ولدها، وبها يتراحم الناس، ولو علم الكافر بكل ما عند الله من الرحمة لم ييأْس من الجنة، ولو علم المؤمن بكل الذى عند الله من العذاب لم يأْمن من النار" ، أَى لتغلب عليه الخوف، قال عبادة بن الصامت: لو يعلم العبد قدر عفو الله ما تورع عن حرام، ولو علم قدر عذاب الله لبخع نفسه أى قتلها، وروى أنه صلى الله عليه وسلم مر بنفر من أصحابه وهم يضحكون فقال:" "أَتضحكون وبين أَيديكم النار" ، ولما وصل الحجر رجع إِليهم فقال: " إِن الله تعالى أَوحى إِلى لم تقنط عبادى" ونزل: نَبِّىءْ عبادى أَنى أَنا الغفور الرحيم، وأن عذابى هو العذاب الأَليم، وذكر قصص الأَنبياءِ وأَممهم ترغيباً وترهيباً، وضيف إِبراهيم لإِهلاك قوم لوط وتبشير إبراهيم فناسب ذكر الرحمة والعذاب فى الآية قبل، وكذلك ناسب التفصيل السابق، وضيف إبراهيم اثنا عشر ملكاً أَو عشرة أَو ثلاثة، على صفة غلمان حسان، أَقوال، منهم جبريل، وأَصل الضيف مصدر يصلح للقليل والكثير، ولذلك قال:
{ إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ } بواو الجماعة، وإذ بدل اشتمال من ضيف كأَنه قيل عن وقت دخولهم، وإن كانت عن لا تدخل على إِذ بناءً على أَنه لا يلزم صلوح عمل عامل المبدل منه فى المبدل، أَو مفعول لمحذوف مبدل من نبىءْ أَى اذكر إِذْا ومتعلق بضيف بمعنى إضافة أو ضيافة، ولا يتعلق بلفظ خبر مقدر أًى عن خبر ضيف؛ لأن الإخبار لم يقع فى زمان إبراهيم، ويجوز تقدير عن قصة ضيف إبراهيم الواقعة إذ دخلوا عليه { فَقَالُوا سَلاَماً } أى ذكروا لفظ سلام بأَن ذكروه بالنصب فى كلامهم على معنى سلمنا سلاماً أَو نسلم سلاماً، أَو بالرفع فى كلامهم مع عليكم فى كلامهم، أو مع حذفه، وسلمنا أو نسلم المقدر للإِنشاءِ لا للأِخبار والمضارع للحال هنا، لا للاستمرار كما قيل، كما تقول: بعث قاصداً لعقد البيع فى الحال، وتقول: أَبيع قاصداً لعقده كذلك، ولم يذكر رد السلام هنا ولا بقية القصة لتقدم ذكرهما فى سورة هود { قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } خائفون؛ لأَنهم دخلوا بلا إذن وفى غير وقت الدخول كما بعد العتمة أو فى وسط الليل أو السحر، ولامتناعهم من الأكل من العجل الحنيذ، وهذا القول بلسان حال لان فى الآية الأَخرى:
" { فأَوجس منهم خيفة } "[الذاريات: 28] إِلا أَن يقال: قال بلسانه بعد الإيجاس { قَالُوا لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرْكَ بِغُلاَمٍ عَليمٍ } ولا يخاف أَحد ممن جاءَ للتبشير، لا توجل منا لأَنا ملائِكةٌ أَرسلنا ربك لنبشرك بغلام كثير العلم إذا بلغ، أَو إذا أُوحى إليه وهو إسحاق وفسر عليم بنبى.