التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ
٥٤
قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ
٥٥
قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ
٥٦
-الحجر

تيسير التفسير

{ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى } بالولد { عَلى أَنْ مَسَّنِىَ الْكِبرُ } على مس الكبر إياى ومس زوجى، كما فى غير هذه السورة، الاستفهام للتعجب من أَن يولد له وهو على مائَة سنة أَو مائة وعشرين من ذات تسعين أَو مائة على ما فى ذلك من أَقوال، وعلى للاستعلاءِ المجازى متعلق ببشر، وكذا إِن جعل للمصاحبة، ولا حاجة إلى تعليقه بمحذوف حال، وأجيز أَن يكون للإنكار، وفيه أَن الإِنكار تكذيب للرسل وهم الملائِكة حاشاه عن تكذيبهم إِلا أن يقال: لم يعلم أَنهم ملائِكة حين قالوا ذلك بعد، لكن لا مانع على هذا أن يجعل الاستفهام حقيقياً كأَنه قال: أَحق تبشيركم. ثم إِنه قد يصح الإِنكار مع علمه بأَنهم ملائِكة على طريق شدة الحيرة فى ذلك والوله وضعف البشر أَو على طريق أَن لا ولادة عادة فى مثل كبرى، أَو على طريق أَن مثلى فى السن يكره الولادة فلا تكون بشارة له، ولا ينقص ذلك أَنهم جعلوه تبشيراً لأَنه يرجع عليه إِلى أَنه بشارة ويفرح بالولد، وهذه الأَوجه كلها أَيضاً فى قوله { فَبِمَ تُبَشِّرُونِ } وزاد وجها آخر، وهو أَن يكون استفهاماً حقيقياً مع علمه بأَنهم ملائِكة بمعنى فعلى أَى وجه يكون التبشير، ويجوز أَن يكون الإنكار فى الموضعين بمعنى: أَن نفسى نافية لذلك، ولو كان حقاً، وإِذا كان هذا استفهاماً عن طريق أَو كيفية فالملائكة لم يجيبوه عليها، لأَن الأَحسن له أَلا يسأَل عنها بل يصدق ويفرح { قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ } بأَمر غير باطل بل واقع ولا بد، أَو بأَمر أَيقناه لا نتردد فيه، والباءُ متعلق ببشر أَو بشرناك، ونحن على الحق فى تبشيرنا، فتعلق بحال محذوف أَى ملتبسين بطريق هو الله وأَمره، وإِبراهيم عليه السلام مؤْمن بقدرة الله عز وجل، لكن صورة كلامه كصورة القانط فقالوا عليها { فَلاَ تَكُن مِّن الْقَانِطِينَ } كما قال كيف تحيى الموتى فقال عز وجل: أَو لم تؤْمن، والقانط الآيس، وأَضرب عن صورة القنوط إلى التصريح بما رسخ فى قلبه بقوله:
{ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ } أَى لا يقنط منها إلا الضالون، والله قادر على أن تلد لى عجوز عاقر وأنا كبير، وقد خلق أَبى آدم بلا أب ولا أُم، وقد يقال فى الآية نوع تعريض منه عليه السلام بأَنهم لم يصيبوا فى نهيهم إياه عن القنوط مع أَنه غير صادر منه، على أَنه لم يعلمهم ملائِكة إلا بعد، وعلى علمه بهم أَشار إلى أَن فى كلامهم غلظة، والملك لا يخطأَ، لكن توجع عليه السلام بقولهم، والضالون المخطئُون عن معرفة سعة رحمة الله وقدرته.