التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ
٨٧
لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ
٨٨
-الحجر

تيسير التفسير

{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِى وَالْقُرآنَ الْعَظِيمَ } سبعا من الأشياءِ التى هى موضع ثنى وهو التكرير، أَو موضع ثناءَ أَو الأَشياء المثنية، فقال الجمهور: ذلك فاتحة الكتاب كما قرأها صلى الله عليه وسلم وقال: " "هى السبع المثانى" ، وروى ذلك أُبى وأَبو هريرة، وذلك أنها سبع آيات تثنى فى كل صلاة أى تكرر أَو أَنها تثنى فى الصلاة بالسورة بعدها، أَو أَنها نصفان نصف ثناءٌ ونصف دعاءٌ كما فى حديث الربيع وغيره عن الله: قسمت الصلاة؛ أى سورة الصلاة وهى الفاتحة، أَو سماها صلاة لأَنها معظمها ولا تصح بدونها من السور - بينى وبين عبدى نصفين، أَو أَنها مكررة، الرحمن الرحيم، وإِياك وإياك، والصراط وصراط، وغير وغير، وعليهم وعليهم، وكان عمر رضى الله عنه يقرأُ: وغير الضالين، أَو أَنها نزلت بمكة ونزلت بالمدينة، وقال الزجاج: سميت مثانى لأَنها فى الثناءِ على الله جل وعلا، وهى من أَجل السور لنزولها مرتين كما قيل فى الأَنعام، ولإِفرادها بالذكر عن القرآن، ولأَنه لا صلاة إلا بها كما قال فى الحديث، أَو السبع الطوال والأَنفال والتوبة كواحدة أو هما واحدة كما لا بسملة بينهما، وورد فى هذا حديث، وجاءَ عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم وجماعة من التابعين، لأَنه يثنى فيهن حدود القرآن وفرائضه وأمثاله وعبر وعامة أحكامه، وفيهن عامة الأحكام، واعترض بأن السورة مكية أو هذه الاية وأكثر السبع مدنية، ويجاب بأن إنزالهن إلى السماءِ مرة مع باقى القرآن إِيتاء، وأَنه قضى أن ينزلن عليه، أو سورة التوبة لأنه يثنى فيها إلخ، وكذا فيما بعد من الأقوال، أو يونس أو الحواميم، أو سبع صحائف، وهى الأسباع والقرآن سبعة أجزاء كل سبع صحيفة وكتاب ومثناة ومثنية، فالسبع هو القرآن كله قسم سبعة أَجزاء، أَو سمى سبعا لأَنه تضمن معنى صحف سبع نزلت على من قبله وزاد عليها، ويناسبه قوله تعالى: " { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى } " [الزمر: 23] أو المثانى كتب الله كلها، فمن للتبعيض، وحذفت تاء سبع لتأَنيث المعدود وهو آيات أَو سور ومن المثانى نعت سبعاً، ومن للبيان، وإذ أُريد بالمثانى أكثر من السبع فمن للتبعيض، والمفرد مثنى بالإسكان من التثنية وهو التكرير أو الثناء، وفى ذلك كله تقرير القراءَة والأَلفاظ والقصص والمواعظ والأَحكام، ويثنى عليه بالبلاغة والإعجاز، وثناء على الله بما هو أَهله، وعطف القرآن عليه عطف عام على خاص إن أُريد بالسبع بعضه، وإن أريد به القرآن أو الأسباع فعطف شىءٍ على نفسه باعتبار تعدد صفته بمعنى سبعاً توصف بأَنها من المثانى أو نفس المثانى وبأنها قرآن عظيم كقوله:

أنا الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة فى المزدحم

وقولك جاءَ زيد العاقل والشجاع والعالم، أى الجامع بين عظم الملك والبنوة للهمام والشجاعة, وزيد الجامع بين العقل والشجاعة والعلم، روى أنه صلى الله عليه وسلم وافى بأَذرعات سبع قوافل لقريظة والنضير فيها أَنواع البر والطيب والجواهر وسائر الأَمتعة، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها ولأَنفقناها فى سبيل الله فقال لهم: " لقد أُوتيتم سبع آيات هى خير من هذه القوافل السبع" ولعله وافاها فى بعض أسفاره، وفى نسخة وافت من بصرى وأُذرعات سبع قوافل، ولا يكون هذا سبباً لنزول قوله تعالى:
{ لاَ تمُدَّنَّ عَينَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ } لأن هذه السورة مكية، ومصادفة القوافل بعد الهجرة فى آخر عمره فى ذهابه إلى الشام للقتال، ومنه تبوك، ولعل المسلمين طمعوا فى القوافل لأنها أموال المحاربين كذا قيل، وفيه أنه لا قوة للنضير وقريظة فى آخر عمره صلى الله عليه وسلم، قيل يحتمل أن تكون هذه الموقعة قبل نزول الآية فنزلت فيها، أو الآية مدنية جعلت فى سورة مكية، وهذا الحديث نص فى تفسير السبع بسبع آيات، وعن أبى بكر رضى الله عنه: "من أُوتى القرآن فرأَى أَن أَحدا أُوتى من الدنيا أَفضل مما أُوتى فقد صغر عظيماً وعظم حقيرا" ولم أَقف له على سند، وعنه صلى الله عليه وسلم:
" "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" " أَى من لم يعده غنى أو كشفاً للهموم بقراءَته، أَو لم يفصح به ويجهر به أًو يقرأَه على خشية أو يزين به صوته، وقد جاءَ "زينوا القرآن بأصواتكم" قيل لراوى الحديث فإِن لم يكن حسن الصوت قال يحسنه ما استطاع وأزواجاً أصنافاً قال صلى الله عليه وسلم: " "لا تغبطن فاجراً بنعمة فإنك لا تدرى ما لاقى بعد موته، إن له عند الله قاتلا لا يموت" يعنى النار، ومد العين طموحها رغبة فيما متع به الكفار فهو صلى الله عليه وسلم بعد لا ينظر إلى ذلك بعينه ولا بقلبه { ولاَ تَحْزَنْ علَيْهِمْ } بعد إيمانهم شفقة عليهم فإنهم أشقياء خلقوا لعذاب الله عز وجل، والضمير للكفار عموما، وقيل للممتعين، وفيه أن الحزن على ممتع الكفار بالدنيا المبغوضة عنده تعالى لا يليق بالأبرار فضلا عن سيد الأخيار، والأَولى أَن المعنى لا تحزن على تكذيبهم وإعراضهم { وَاخْفِضْ جناحَكِ لِلْمُؤْمِنِينَ } ألن لهم وارفق وتواضع، وأصل جناح الإنسان يده { واضمم إليك جناحك } [القصص: 32] أى يدك، أو جناح الطائر كنى به عن حسن التدبير والشفقة كما يرخى الطائر جناحه لفروخه كما يخفضه إذا أراد الانحطاط، فذلك استعارة تمثيلية أولى من أن يكون استعارة عن التواضع.