التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١٠
-النحل

تيسير التفسير

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ } أى رحمة ربك الدائمة وهى الربح الكامل أو نصره، وثم لتفاوت الرتب علوًّا { لِلَّذِينَ هَاجَرُوا } إِلى المدينة خبر إن على حذف مضاف إِلى اسمها كما رأيت، أو على معنى إن ربك لهم لا عليهم، كما تقول: إن فلانًا لى لا علىَّ، وهذا أولى، والذى قبله أولى من جعل خبرها لغفور رحيم على أن الثانية واسمها تأكيد للأولى لا خبر لها، كما تقول إن زيدًا إن زيدًا قائم، فقائم خبر للأولى، ولا خبر للثانية، فيتعطل قوله: للذين هاجروا، فيقدر له مبتدأ أى للذين هاجروا إِلخ مغفرة ورحمة، وهو ضعيف، وأضعف منه جعل الخبر للثانية ولا خبر للأولى، أو يتعلق بما بعد اللام، وهو غفور كما تعلق به من بعدها أو خبرها لغفور رحيم محذوف دل عليه المذكور.
وفيه أنه يحتاج إلى تقدير مبتدأ للذين هاجروا، مع حذف الخبر. والصواب، إن الخير للذين هاجروا، والمعنى أن رحمته أو نصره للذين هاجروا، أو إن ربك لهم لا لغيرهم لهجرتهم ما ألقوه من الوطن والمال والأصحاب.
{ مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا } صرفوا بالقول والتعذيب من المشركين، ولم يؤثر فيهم صرفهم، أى فتنوا، أو ما افتتنوا أو فتنوا صرفوا عن الإسلام فانصرفوا لفظًا لا قلبًا.
{ ثُمَّ جَاهَدُوا } جاهدوا أنفسهم أو الأعداء بالسيف، ثم هذه لترتيب الحكم على الآخر فى الزمان على الأصل، وأما فى قوله: ثم إن ربك فللتراخى فى الرتبة لعلو شأن من هاجروا بعد ما فتنوا، وجاهدوا عمن ضلوا، وأضلوا.
{ وَصَبَرُوا } فى الجهاد والجوع والشدائد.
{ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا } بعد الهجرة، أو بعد الأربعة المهاجرة، والفتن والجهاد، والصبر، أو بعد الفتنة، أو بعد التوبة، لأن ما قبل ذلك يدل عليهما.
{ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } لهم لا يضيع أجرهم، ولا يعاقبون على ذنب.
نزلت الآية فى عياش بن ربيعة أخى أبى حهل من الرضاعة، وقيل: كان أخاه من أمه، وفى جندل بن سهل به عمرو، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وسلمة ابن هشام، وعبد الله بن أسد الثقفى عذبهم المشركون فكفروا بعض كفر بألسنتهم، وبعد ذلك هاجروا وجاهدو. وقال الحسن وعكرمة: نزلت فى عبد الله بن أبى سرح أسلم، وكان يكتب الوحى للنبى صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد ولحق بدار الحرب، وأمر صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة، فأَجاره عثمان بن عفان، وكان أخاه لأمه، فأتى وأسلم وحسن إِسلامه، وأظنه لم يحسن فى خلافة عثمان، والصحيح القول الأول إ لم يصل عبد الله بن أبى سرح بعد إِسلامه حال الفتح أن يهاجر، إِذ لا هجرة بعد الفتح، نعم استجوابًا، ولم يبلغ أن يجاهد بعد الفتح لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجاهد بعد الفتح إِلا غزوة هوازن فى قفوله إِلى المدينة فكيف يجاهد وينزل جهاده فى القرآن وصبره فلا يتم ذلك.
ولو قلنا: إن الآية مدنية جعلت فى سورة مكية، إذ لم يروا أنه جاهد بعد ردته وإسلامه منها، وذكر قتادة أنها مكية إلا
" { والذين هاجروا } " [النحل: 41] و: "ثم إن ربك" و: " { وإن عاقبتم } "[النحل: 126] إلى آخر السورة.
قال مقاتل:
" { من كفر بالله من بعد إيمانه } " [النحل: 106] " { وضرب الله مثلاً قرية } " [النحل: 112] الآيات، وروى أن الآية نزلت فكتب المسلمون بها إلى من أسلم بمكة، فخرجوا واتبعهم أهل مكة فقاتلوا فقتلوا من قتلوا، ونجا من نجا.
فالجهاد قتال من اتبعهم من المشركين، وذكر بعض أن الآية فى عمار وأضرابه، ولا يعترض بأن عمارًا لم يشرح بالكفر صدرًا، ثم تاب، بل أعلى طبقة، لأنا لا نسلم أن الآية فى خصوص من شرح بالكفر صدرا ثم تاب.