التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١٥
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
١١٦
-النحل

تيسير التفسير

{ إِنّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ } رفع الصوت به عند الذكاة لغير الله وحده، أو لغير الله مع الله، والحصر إضافى معتبر فيه البحيرة، وما معها كأنه قيل: إنما حرم عليكم الميتة إلخ لا البحيرة إلخ فلا يشكل باقى المحرمات، ويمكن دخول ما بقى فى المائدة فى الميتة هنا.
وعن خالد بن الوليد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحُمُر والبغال والخيل. وعن جابر بن عبد الله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحُمُر الأهلية، وأذن فى لحم الخيل، فيقال: منع من الحُمُر للإنجاس، فلو صينت لحلت، ونهى عن لحم الخيل لتبقى للقتال، وهو فى نفسه حلال، ونهى صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى مخلب من الطيور، وكل ذى ناب من السباع، وقيل: الحصر حقيقى، وما فى المائدة داخل هنا كما رأيت، فيحل القرد والفيل، والحمر، والبغال، والخيل، وسباع الطير، والوحش وما ورد فيها النهى، فتنزيه لا تحريم، أو وجه كما رأيت.
{ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } إِلى أكل من بعض تلك المحرمات. وكذا غيرها من سائر المحرمات.
{ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ } له فى أكله { رَحِيمٌ } عليه بها، وأفهمت الآية أنه إن اضطر هو باغيًا على مضطر آخر ينزع عنه ما وجد من ذلك. أو باغيًا بقطع طريق، أو خروج عن والٍ محق، أو اضطر متعديًا إِلى أكثر من سد الرمق يأكل أكثر، أو استصحاب منها ونحو ذلك من سفر المعصية لم يبح له الأكل، وإن تاب الباغى أو العادى حل له سد الرمق من ذلك، والله يقول بالآية السابقة: إن المحرم ما حرمه الله جل وعلا، لا ما تصفه ألسنتكم بالحرمة من عند أنفسكم فانتهوا عن التشرع بما لم يأذن به الله عز وجل كما قال:
{ وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتِكُمُ } لا تقولوا فى شأن وصف ألسنتكم { الْكَذِبَ } مفعول لتصف كأن كلامهم أصل فى الكذب مبين لمطلقه كما تقول وجهها يصف الحسن، وعينها يصف السحر، وليس حقيقة الكذب وراء ذلك، ولا يجوز أن يكون بدل اشتمال من هاء تصفه إن قدرت إلا على ضعف، فالأولى خلافه، وما مصدرية، وإن جعلناها اسما فالمفعول محذوف أى فيما تصفه، والكذب مفعول لتقولوا بمعنى تذكروا، وأيضًا الكذب مراد به الجملة، فصح نصبه بالقول بلا تأويل بالذكر، ألا ترى أنه أبدله منه الجملة وهى قوله:
{ هَذَا } كالميتة والدم { حَلاَلٌ وَهَذَا } كالبحيرة { حَرَامٌ } أو هو مفعول لتصف ألسنتكم، وهذا حلال إلخ مفعول لتقولوا، والجملة المحكية بالقول مطلقًا مفعول به، أو مفعول مطلق، فإن معنى قلت: قام زيد قلت قولا هو قولك: قام زيد، ووجه المفعول أن المعنى أحدثت قولك: قام زيد أو يقدر تقولوا هذا حلال وهذا حرام، وهذا القول المقدر بيان للقول المذكور.
{ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ } إِنه حلل كذا أو حرّم كذا، واللام للعاقبة بمعنى أن مرجع قولهم إلى اتضاح أنه افتراء، وببعد قصد التعليل، لأن المعنى عليه فقوله هذا حلال، وهذا حرام، لأجل أن نكون كاذبين على الله عز وجل، ولا فائدة لهم فى قصد هذا، ولا يسوغه قولهم: الله أمرنا بها إلا على قصد ما ينجر إليه قولهم: إنا نفترى على الله فيؤخذ قولنا، والكذب مفعول مطلق لتفتروا، أو مفعول به لتفتروا، ولا يتكرر قوله: لتفتروا مع قوله: لما تصف، لأنه ليس فى قوله: { لما تصف ألسنتكم الكذب } بمعنى أن كذب على الله، وأَيضًا لام العاقبة ليست بمعنى فى مجاز تعليقهما معاً فتقولوا:
{ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } فى الدنيا ولا فى الآخرة.