التفاسير

< >
عرض

وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٨
-النحل

تيسير التفسير

{ وأَقْسَمُوا بِاللهِ } عطف على قال الذين أَشركوا { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } مفعول مطلق لأن المعنى غاية إيمانهم، وغاية الإيمان يمين فالمعنى أقسموا بالله إقساما هو غاية فى القوة، والجهد بالفتح والضم الغاية هى الطاقة، وقيل بالفتح الشدة، وهو راجع لذلك المعنى لأن الطاقة شاقة وقوله { لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ } جملة لا محل لها لأَنها جواب القسم، وهو أَقسموا، وكانوا يحلفون بآلهتهم وآبائهم، وإِذا عظم الأمر أقسموا بالله عز وجل- عابهم الله وذمهم بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث، وزاد فى إنكاره اليمين، وقد قيل أن مسلما استقضى دينا له من مشرك وذكر البعث فقال: وإنك لتبعث بعد الموت وأقسم بالله لا يبعث من يموت، ونزلت الآية فرد الله عليهم بقوله: { بَلَى } أى يبعثهم وبقوله: { وَعْداً } أَى وعد البعث وعدا لا يتخلف، وهو مقتضى حكمته وبقوله: { عَلَيْهِ } هو نعت وعدا وبقوله: { حَقّاً } سواءٌ جعلناه نعتا لوعد أَو مفعولا مطلقا كوعدا فهما مؤكدَان لأَنفسهما بمعنى قوله: بلى، أَو جعلناه حالا من المستتر فى عليه يبعث الله - عز وجل - من فنى كله وما فنى من ميت يلقى بعضه يحيى الله الجميع بعينه بصورته فى الدنيا لا جسما آخر مثله ولا يكسو العظام لحما آخر بل لحمها الأول، ويدل لذلك خلقه ما خلق لا من شىءٍ، هذا ما عندى ولجمهور المتكلمين، ولكن زدته إيضاحا واستدلالا، وزعم الفلاسفة والكرامية وأبو الحسين المصرى من المعتزلة: أَن رد الفانى بعينه مستحيل لكن يرد مثله وما ذكر الله: " { فخذ أَربعة من الطير } "[البقرة: 260] مما يحتج فخذ به { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسَ لاَ يعْلَمُونَ } البعث حقا لعدم علمهم بكمال قدرته تعالى وبأَنه حكمة لا يهملها الله عز وجل ولاستبعادهم حياة ما مات قال الله عز وجل - " { قل يحييها الذى أَنشأَها أَول مرة } "[يس: 79] صرحت الآية أن أَكثر النَّاس مشركون منكرون للبعث فنقول: دونهم مشركون غير منكرين للبعث، ودون هؤلاءِ موحدون مقرون.