التفاسير

< >
عرض

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ
٥٧
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ
٥٨
-النحل

تيسير التفسير

{ وَيَجْعَلُونَ } يعتقدون أو يثبتون باختيار { للهِ الْبَنَاتِ } تجعل كنانة وخزاعة وطائفة من النصارى للملائكة بنات الله، مع كراهتهم للبنات، فلم ينزهوا الله عنها، ولا عن التجسيم، ولا عن الجهة والطول وغير ذلك، قال الله عزَّ وجل: " { أنّى يكُون له ولد ولم تكن له صاحبة } " [الأنعام: 101] " { ألا إِنَّهم من إِفكهم ليقولون ولد الله } " [الصافات: 151 - 152]" { وجعلوا بينه وبين الجِنَّة نسبًا } " [الصافات: 158] وقيل: لا يعتقدون بنبوة الملائكة، بل يشبهونهم بالبنات المستورات إذ لا يرونهم مع أنهم فى مكان لا تصل إليه الأغيار، كبنات الرجل يسترهن فى محل أمين، ومكان مكين، والجن ولو استتروا ليسوا على هذه الصورة، ومع ذلك للذكور من أنهم لم يريدوا حقيقة البنوة، يصفهم الله بالإشراك، لأن ذلك لفظ إشراك، يوهم الولادة
كما يروى أن عيسى يقول الله أى سيدى ولما كان لفظ إشراك سماه الله إِشراكا وهو محرم عن غير عيسى. لأنه يوهم الولادة.
{ سُبْحَانَهُ } نزهوا الله أيها المسلمون عن ذلك تنزيهًا، أو تنزه عن ذلك تنزهًا، أو نزه نفسه تنزيهًا وذلك متضمن للتعجب { وَلَهُمْ } عطف على الله { مَا يَشْتَهُونَ } من الذكور، عطف بتلك الواو على البنات عطف معمولين على معمولى عامل، وفى ذلك عمل عامل فى ضميرين لمسمى واحد، وذلك جائز فى باب علم وظن، وفقد وعدم ورأى الحلمية، ولو بلا حرف جر، ويجعل من باب علم وظن لأن معناه يعتقد، والضمير الأول الواو، والثانى الهاء ولم يجيزوه فى غير ذلك، ولو بحرف جر.
وعندى يجوز فى غير الباب إذا كان أحدهما بالحرف مثل ما هنا إذا فسرنا يجعلون يثبتون لكثرتهم فى القرآن، مثل:
" { فصرهنّ إليك } " [البقرة: 260] " { وهُزِّى إِليكِ } " [مريم: 25] وقد يجوز هنا ولو عندهم على أنه يغتفر فى الثوانى. ومنها المعطوف ما لا يغتفر فى الأوائل، أو لهم خبر لما بعده، والجملة حال من الواو، ولا يصح الاستئناف على لهم، وأتبع ذلك مشاكلة بقوله:
{ وَإذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى } ولدت له، أو بولادة الأنثى له، لأن التبشير موضوع لما يشتهى، وبشر به استعمل فى مجرد الإخبار لعلاقة الإطلاق والتقييد أو أحدهما وذلك لأنهم لا يحبون ولادة البنات، فضلا عن أن يقع لهم التبشير بهن بل يكرهونهن جداً كما قال:
{ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا } اسودّ وجهه فى النهار كله اغتماماً بها، وكآبة وحياء من الناس، وكانوا يعيرون بالأنثى، وذلك أنه يحبس الروح إلى داخل القلب، فلا يبقى له أثر ينور به الوجه، بخلاف ما إذا سُرَّ فإن الروح تنبسط وتصل الأطراف ولا سيما الوجه، فيستنير، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن الحزن، لأن الاسوداد من لوازمه، وخص النهار بالذكر، لأن أكثر الولادة قيل بالليل فيؤخر الإخبار إلى النهار، أو لأنه يظهر تغير الوجه فيه، أو المراد عموم الزمان، ولا نسلم والأكثرية واطراد التأخير.
{ وَهُوَ كَظِيمٌ } مملوء غيظا على زوجه أو سريته التى ولدت البنت. كأنها ملكت أمرها فى بطنها فاختارت جعله أُنثى، والقوية القلب تقول: ما علىَّ إنما ولدت ما وضعت فى بطنى، والجملة حال من وجه، أو من المستتر فى مسود، أو ذلك من أشنع ما يكون ولدت امرأة بنتا وهجرها زوجها، فقالت:

ما لأبى الذلفاء لا يأتينا يظل فى البيت الذى يلينا
يغضب أن لا نلد البنينا وإنما نأخذ ما أعطينا

وفى رواية: ما لأبى حمزة.