التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٧٤
ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٧٥
-النحل

تيسير التفسير

{ فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ } إذا كان الأمر كذلك، فلا تضربوا، أو ولا تضربوا إلخ، على أن الفاء بمعنى الواو، وذلك لأن الأصنام وإياهم عاجزون لا تجعلوا لله شركاء تقيسونها عليه، وتمثلونها به فى الألوهية والعبادة، وذلك استعارة تمثيلية، لأن ضرب المثل له تعالى الإشراك به، والتشبيه به، والمشرك المشبه له بغيره بمنزلة ضارب المثل إذ يشبه صفة بصفة، وذاتًا بذات.
{ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ } فساد ما زعموا، من أن عبادة الأصنام أشد تعظيما لله سبحانه، لأنها عبيده، وأل فى الأمثال للحقيقة، فشمل الفرد والمتعدد، فلا يفهم أن المثل الواحد أو الاثنين من الجائز، وكان بصيغة الجمع لأنه الواقع منهم ولا مفهوم له، وللتشنيع عليهم بأنهم جعلوا أندادًا متعددة لمن لا يمكن أن يكون له واحد.
{ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } قبح ضرب الأمثال، وامتناع صحته، فإن المالك الرازق هو الذى تحق له العبادة، وعبادة عبيده إفساد لنعمة المنعم، فلو أنتم عليكم سلطان فصرتم تغفلون عن حقه وخدمته، واشتغلتم بعبادة حمارة لَبَان لكل ذى رأى فساد ذلك، أو أن الله يعلم كنه الأشياء، وأنتم لا تعلمونه، فهو عالم بكنه إشراككم، وكنه عقابه دونكم، أو يعلم ضرب الأمثال وأنتم لا تعلمونه، وإنما يصح ضرب الأمثال إذا كان مثل ما فى قوله عز وجل:
{ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا } وإنما يضرب المثل العالم للجاهل ليتعلم، وهذا تعليم لهم كيف يضربون الأمثال، فيصيبون ولا يخطئون، والأصنام كالعبد المملوك العاجز عن أن يملك مالا، ويتصرف فيه، بخلاف الحر المالك للأموال الذى لا حجر عليه فى المال، ينفق كما يشاء، والله جل وعلا هو المالك للأشياء: الأموال وغيرها، للتصرف فيها بالإنفاق كيف يشاء وقال: مملوكا، تحرزاً عن الحر لأنه أيضًا عبد الله، وقيد العبد بأنه لا يقدر على شئ تحرزًا عن المأذون فى التجر، فقد يصرف فى المال بلا إذن، أو بإذن، وعن المسرح ببطنه، وعن المحمول رئيسا على سائر العبيد، أو على العيال.
وأما المكاتب، فحر عندنا، ويناسب قوله: { عبدا مملوكا.. } الخ أن نجعل من فكره موصوفة أكثر مناسبة فيه إذا جعلناها اسمًا موصولا عاما، واختلف فيما يعطى العبد لا لعمله، ولا للأجل سيده، فقيل: هو لسيده لقوله تعالى: { لا يقدر على شئ } وهو مشهور المذهب، وعليه الشافعى، استظهره الزمخشرى، ولا يصح طلاقه إلا بإذن سيده أولا أو إجازته بعد وقوعه، وإِن كان سيده امرأة وكلت رجلا يطلق عنه أو يجيزه، وقيل: ما يعطى العبد له، لأن القيد إنما هو لإمكان أن يملك، وبه قال مالك وهو ظاهر الآية، لأنه أثبت له العجز بقوله مملوكا ونفى القدرة العارضة بتمليك السيد بقوله: لا يقدر على شئ، وليس المعنى القدرة على التصرف، لأن مقابله: ومن رزقناه منا رزقا حسنًا.
{ هَلْ يَسْتَوُونَ } استفهام لنفى الاستواء عند كل عاقل، فكيف يسرى من له القدرة على كل شئ التامة، وهو الله جل وعلا مع العاجز من كل وجه، وهو الأصنام، أو الآية مثَل للمؤمن الموفق، والكافر المخذول، لا يستوى الحر والعبد، لا يستوى الموفق والمخذول، فإنه كالمربوط على جوارحه وقلبه، لا يعمل بها نافعا، وقيل فى أبى بكر وأبى جهل، والجمع فى لا يستوون على التفسيرين لإرادة التعدد، كأنه قيل: هل يستوى الأحرار والعبيد أو هل يستوى الموفقون والمخذولون، ويشير قوله عز وجل: ينفق منه سرًّا وجهرًا إلى كثرة المال، فالحسن للمذكور فى الآية حسنة كمية وهيئة.
والآية استعارة تمثيلية فى قوله عبدًا مملوكًا إلخ واستعارة تمثيلية أيضا فى قوله: { من رزقناه.. } إلخ كذا قيل، والأولى أنهما معًا استعارة واحدة، وسواء التفسير بالعبد والحر والمخذول والموفق، شبه الهيئة المنتزعة من حبوط عمل الكابر وصيرورته هباء، بالهيئة المأخوذة من العبد، وعدم قدرته تحقيقا مع أ نه فى صورة قادر، وهذا أحسن جدًا إلا أن الملائم لما قيل هو التفسير بالعبد والحر
{ الحَمْدُ للهِ } كله له لا يستحق معه غيره شيئًا، لأنه ولى النعم، وهى كلها منه، ولا تستحق الألوهة بلا موجب، فكيف يكون عيسى إلها للناس، مع أنه لم يخلقهم ولم يرزقهم، ولا يملك أحوالهم، وقيل: الحمد لله على ظهور الحجة.
{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } إذا أضافوا النعم إلى غير الله وعبدوا غيره عليها، أو لا يعلمون ظهور ذلك فبقوا على الإشراك، وقد علم بعض أن الأمر ما ذكر الله عز وجل، وجحدوا بألسنتهم، وقيل: المراد بالأكثر للكل.