التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٩٤
-النحل

تيسير التفسير

{ وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ } ليس تأكيداً لقوله: تتخذون أيمانكم دَخَلا بينكم، لأن الأول عاب الله به عليهم عيباً، والثانى تصريح بما تضمنه العيب، فلو قلت أنت تسرق لا تسرق، لكان الثانى نهياً عما عابه من السرقة، لا تأكيداً، والعيب بالشئ يتضمن النهى عنه، فإذا نهيت بعد العيب فقد صرحت بالمضمون وأيضا الثانى على العموم فى البيعة والمال وسائر الحقوق وغير ذلك، والأول فى أن تكون أمة هى أنه أربى من أمة، ودعوى أنه الثانى عمله.
ووجه تسمية بعض له تأكيداً أنه يؤخذ من الأول، مع أخذه منه صرح به ولا تعارض ذلك بقوله تعالى: { فتزل } إذ لا مانع من أن يقال فتنزل عما كان عليه قبل من الوفاء بالبيعة وسائر حقوق الإسلام، وليس صوابًا أن تقول العام بعد الخاص تكرير إلا بمعنى أن الخاص فى ضمن العام، وكذا فى العكس، ومن نفى التكرير أراد أنه ليس أحدهما عين الآخر.
{ فَتَزِلَّ } عن الإسلام أو عنه وعن سائر حقوقه كما مر آنفا.
{ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } عليه، وأفرد القوم باعتبار كل فرد فى قوله لا تتخذوا، كأنه قيل: لا تتخذ يا زيد يمينك دخلا مع صاحبك فتزل قدمك، ولا تتخذ يا عمرو إلخ، وهكذا أو يقدر فتزل كل قدم منكم، وذلك أولى من دعوى استعمال النكرة على العموم الاستغراقى فى الإثبات، وأما ما قيل إِنه أفرد تلويحًا بأن زلة قدم واحدة أمر عظيم، كيف بأقدام كثيرة، فإنما أفاد نكتة وعظية لا قاعدة عربية، ولا يقبل فى التفسير ما لم يكن على القاعدة العربية، إذ لا يلزم أن الزلل لقدم واحدة حتى يبنى عليه، أن يقال فكيف أقدام، بل المقام لزلل القدم، هكذا أفردت أرغمت.
{ وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ } تنالوا بإعراضكم عن سبيل الله، أو يمنعكم غيركم عنه العذاب فى الدنيا بالقتل، وما دونه، وذلك بألسنتكم، وبفعلكم فإنه من نقض البيعة، وأريد جعل ذلك سنة لغيره، وذلك منع بالفعل، وإذا قال لغيره انقضها فذلك صد بلسانه، وأما عذاب الآخرة ففى قوله:
{ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فى الآخرة.