التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
١١٠
-الإسراء

تيسير التفسير

{ قُلِ } يا محمد للمشركين { ادْعُوا } سموا واذكروا بنداء ولا نداء { اللهَ } لفظ الجلالة { أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ } لفظ الرحمن { أَيّاً مَا تَدْعُوا } أيًّا منهما تذكروا { فَلَهُ } فللمعنى بهما أى أصبتم وأحسنتم، وناب عنه التعليل وهو قوله فله { الأسْمَاءَ الْحُسْنَى } أى أيًّا ما تذكروا أصبتم، لأن له الأسماء الحسنى، ومنها الاسمان، فالضمير فى له عائد إلى واجب الوجود وهو الله، لا لقوله: الله، ولا لقوله: الرحمن؛ لأن المراد بهما اللفظ، أو عائد إلى أحدهما على طريق الاستخدام، وأو للإباحة لحصول الفضيلة فى الجمع بين ذكر الله، أو لفظ الرحمن، وإذا لم تحصل الفضيلة فى الجمع بين شيئين كانت للتخيير، وما صلة لتأكيد عموم أيًّا.
قيل: سمع المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا الله، يا رحمن. فقالوا: ينهانا محمد أن نعبد إِلهين وهو يدعو إِلها آخر مع الله، فنزلت الآية.
ويروى عن ابن عباس: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فجعل يقول فى سجوده: يا الله يا رحمان، فقال أبو جهل: إِن محمداً ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إِلهين، فأَنزل الله هذه الآية.
وقيل: إن اليهود قالوا: لا يكثر محمد ذكر الرحمن، وهو كثير فى التوراة، أى لمراعاة ما خلق الله تعالى فى موسى عليه الصلاة والسلام من الشدة، فنزلت الآية، وقدم لفظ الجلالة لأنه أعظم، ومن قال لا إله إلا الرحمن محمد رسول الله لم يكفه فى التوحيد، وإنما يكفى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحسن الأسماء الحسنى دلالتها على محاسن المعانى، وصفات الجلال، والإحسان إلى الخلق، والحسنى اسم تفضيل كما أن الأحسن اسم تفضيل.
وعن ابن عباس: قراءة "قل ادعو الله" الآية حفظ للمنزل قرأها رجل من المهاجرين حين اضطجع، فجمع سارق ما فى بيته، فوجد الباب مغلقا، فوضع المتاع فرآه مفتوحا، فجعل يفعل ذلك ثلاثاً، فضحك الرجل وقال: بيتى محصَّن، قال صلى الله عليه وسلم:
"ما من مسلم يقرؤها عند منامه بين شياطين وهوام فتضره" .
{ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } بقراءة صلاتك فحذف المضاف، أو سماها باسم محلها أو الجزء باسم الكل.
{ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } فى الصلاة وغيرها، وكذا غيرها نفى الجهر يسمع المشركون فيسبون القرآن ومنزله، ومَن يقرؤه، ويصفقون ويرفعون أصواتهم للتخليط عليهم،
" { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } "[فصلت: 26] إِلخ وفى الخفاء به أى الإسرار أعنى ضعف الصوت، يفوت سماع الحاضرين معك فى الصلاة أو غيرها من المسلمين.
{ وَابْتَغِ } اطلب واقصد { بَيْنَ ذَلِكَ } بين المذكورين من الجهر والخفاء { سَبِيلاً } والتوسط محمود.
روى الترمذى أن أبا بكر يخفت ويقول: أناجى ربى وقد علم حاجتى وعمر يجهر ويقول: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، ويروى أنهما كانا كذلك، وسأَلهما صلى الله عليه وسلم فقالا ما ذكر، وبلال يقرأ من هذه السورة، ومن هذه، وسأَله فقال: أخلط طيبا بطيب، فقال:
"إِذا دخلت سورة فأتمها" فنزلت الآية.
وأمر الصديق ببعض الرفع، وعمر ببعض الخفض. وقيل: لا تجهر بصلاتك كلها، ولا تخافت بها كلها، بل خافت بها نهاراً، واجهر بها ليلا، وهذا لا يناسبه كل المناسبة قوله: { وابتغ بين ذلك سبيلاً } وأيضا الفجر نهار ولا يخافت فيه.
ونقول يخافت: فى الثالثة من المغرب، والأخيرتين من العشاء، ولا يجهر فى ركعة فيها الفاتحة وحدها إلا بالتكبير، والإمام يجهر بسمع الله لمن حمده فى ذلك، ليؤخذ عنه، والمأموم يسره فى ذلك. وعن ابن عباس: لا تخفض حتى لا تُسمع أذنيك. عن أبى هريرة: لا تُسمع أذنيك فى صلاة السر، وأسمعهما فى صلاة الجهر، والإمام يُسمع مَن يصلى به ما قدر، ولا نسخ فى الآية.