التفاسير

< >
عرض

ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
٢١
-الإسراء

تيسير التفسير

{ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } فى الدنيا، كيف حال كل من فاء وجملة فضلنا إلخ مفعول لأنظر علق إليها بصورة الاستفهام، والتفضيل هو بالمال والجاه والولد ونحو ذلك، من منافع الدنيا، كالجَمال وحسن الصورة { وَللآخِرَةُ } اللام للابتداء ولا دليل على تقدير قسم، وجعل اللام فى جوابه لام جواب قسم، أو لام ابتداء فى جوابه، وما لا دليل عليه لا يقدر فلا تهم.
{ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ } درجاتها أكبر من درجات الدنيا، كما أن الآخرة أفضل من الدنيا، كذلك درجاتها أفضل من درجات الدنيا، أو درجات الآخرة تفاوتت أكثر مما تفاوتت درجات الدنيا، أو المراد التفاوت بالدرجات فى مقابلة الدركات أكبر من التفاوت بتوسيع النعم فى مقابلة التضييق، ونسبة التفاوت فى درجات منافع الآخرة، ودركات عقابها إلى التفاوت فى أمور الدنيا، كنسبة نفس الآخرة إِلى نفس الدنيا، وظاهر الآية التفضيل، كما لأن الكبر والصغر والكثرة والقلة من مقولة الكم، واختار بعض أن المارد هنا مثل ما فى الدنيا، لأن الغالب فيها أن هذا أكثر مالا مثلا من هذا، ولا مانع من إبقاء الآية على الكيف.
{ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } لأن التفاوت فيها الجنة ودرجاتها، والنار ودركاتها، وأولى من هذا اعتبار التفاوت بين بعض أهل الجنة، والبعض الآخر، وبعض أهل النار والبعض الآخر؛ بعض أهل الجنة أكبر من بعض آخر، وبعض أهل النار أشد عذاباً من البعض الآخر، ذكر ابن عبد البر، عن الحسن أنه اجتمع أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، ونحوهما من الأكابر عند باب عمر، فأذن لصهيب وبلال وأهل بدر، وكان يحبهم، وأوصى لهم، فقال أبو سفيان: يؤذن لعبيد دوننا! فقال سهيل بن عمرو: لا تغضبوا فإنهم دعوا ودُعيتم، فأسرعوا وأبطأتم، أما والله لما سبقوكم به من الفضل أشد عليكم فوتاً من بابكم هذا الذى تتنافسون عليه، وفى رواية: إنما أتينا من قبلنا أنهم دعوا ودعينا، فأسرعوا وأبطأنا، وهذا رب عمر فكيف التفاوت فى الآخرة، ولئن حسدتموهم على باب عمر لَمَا أعد الله لهم فى الجنة أكبر.