التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً
٧٠
-الإسراء

تيسير التفسير

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ } بأشياء لم تجتمع للجن والملائكة وسائر الحيوانات، كحسن الصورة، قال الله عز وجل: " { فأحسن صوركم } "[غافر: 64، التغابن: 3] وقال فيهم: " { فتبارك الله أحسن الخالقين } "[المؤمنون: 14] وقال: " { لقد خلقا الإنسان فى أحسن تقويم } " [التين: 4] وكاعتدال المزاج لجعل قوتهم أطيب الأقوات، وجعل لغيرهم ما دونه وما فضل منه، وما خبث، وكاعتدال القامة وانتصابها، وكالتمييز بالعقل والإفهام بالنطق، والإشارة باليد والعين والرأس، والكتابة، وبها يجتمع لمن تأخر علوم من تقدم، قال الله جل وعلا: " { اقرأ باسم } " [العلق: 1] إلخ وقال: " { ن } " [القلم: 1] إلخ وعنه قيل: "أو أثارة" الخ.
وكالاهتداء إِلى أسباب المعاش والمعاد، والتسلط على الأرض وحيوانها، وما فيها كشرب ما بها، والاغتسال به، والحرث والغرس، وأكل ثمارهما، وسائر ثمارها، وصيد برها وبحرها، وسخر لكم البحر لتأكلوا إلخ، وهوائها وهو من مواد الحياة، ولولا الريح لأنتنت الأرض، وبالنار وبالاستضاءة بها، وبمعادنها وكتناول الطعام باليد. قال ابن عباس: كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الإنسان فبيده، ويصدر هذا من هر وقرد، إِلا أنه لا فضيلة لأكلهما باليد، لأنهما من ذوات الأربع، إِذ يطآن الأرض بأيديهما ويمسحان القاذورات بها مع قلة أكل الهر بها، وكتزين الرجال باللحى والنساء بالنواصى، وعبارة بعض بالذوائب، قيل: وبخلق أبيهم آدم بيده، وبأن منهم خير أمة أخرجت للناس، والتكريم جعل الشئ ذا شئ كريم، أى شئ مستحسن، ولا يعتبر فى مفهومه الإضافة إلى الغير، بخلاف التفضيل.
{ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ } على الدواب { وَالْبَحْرِ } على السفن، وليس المراد عدم دخولهم فى الأرض والماء بالبقاء على ظهرهما، لأن الحيوانات شاركتهم فى ذلك قبل.
{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } مما يستلذ أكلا وشرباً، ولبساً وركوبًا واقتناء، وغير ذلك.
{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } قيل: بالتعريض لاكتساب ما فيه النجاة، والزلفى بواسطة ما كرمناهم به، ويشكروه، وقيل: بالغلبة يلزم أن لا يكون أفضل من الجن والملائكة، لأنهم لم يستولوا على الجن والملائكة، فالكثير هم غير الجن والملائكة، وقيل: بالشرف، فغير الكثير الملائكة، وهم أفضل من الإنسان ونسب لابن عباس والزجاج، وقيل: غير الكثير خواص الملائكة فخواصهم أفضل من الإنسان، والإنسان أفضل من سائرهم، وخواصهم هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، وحملة العرش، والذى يكون صفًّا وسائر الملائكة صفًّا.
وقيل: الناس أفضل من سائر الملائكة وغيرهم، إلا أنه فسد من فسد بعد هذا بالمعاصى منهم، فضيّع هذه الفضيلة، وكثير على هذا بمعنى الكل، كما يستعمل الأكثر بمعنى الكل، قال الله عز وجل:
" { هل أنبئكم على من تنزَّل الشياطين } " [الشعراء: 221] إلى " { وأكثرهم كاذبون } " [الشعراء: 223] وقوله: " { أكثرهم بهم مؤمنون } " [سبأ: 41].
وعن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة: ربنا إِنك أعطيت بنى آدم دنيا يأكلون ويشربون، وينكحون ويتمتعون، ولم تعطنا ذلك، فأعطنا ذلك فى الآخرة فقال: وعزتى لا أجعل ذرية من خلقته بيدى كمن قلت له كن فكان" ومعنى خلقته بيدى أمرت بتراب فاجتمع، بل أمر الملَك فجمعه وكوَّنه منه، بعد أن كان طيناً، ثم صلصالا بإرادته، وذلك كعمل باليد، ولعل الحديث لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم لأنه ليس فى طبع الملائكة التلذذ بغير العبادة، ولا طلبه، فإن صح عنه صلى الله عليه وسلم فذلك بأن أحدث الله فيهم ذلك التمنى، ثم أزاله، كما أحدث فى طبع هاروت وماروت اشتهاء النكاح، وشرب الخمر، ونحو ذلك فيما قيل على أنهما مَلَكان بفتح اللام.
وعن أبى هريرة: المؤمن الواحد أفضل عند الله من جميع الملائكة، لأنه أطاع الله مع وجود دواعى المعاصى وقال الحنفية: خواص بنى آدم وهم المرسلون أفضل من جملة الملائكة، وخواص الملائكة أفضل من عوام بنى آدم، والأتقياء والزهاد أفضل من عوام الملائكة.
ويقال: عوام المؤمنين أفضل من عوام الملائكة، وخواص المؤمنين أفضل من خواص الملائكة، وخطأوا الزمخشرى فى تفضيل جبريل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعبارة بعض الرسل من البشر أفضل مطلقاً، ثم الرسل من الملائكة أفضل مطلقاً من البشر والملائكة، ثم عموم الملائكة، ثم عموم البشر. ونسب لأبى حنيفة وكثير من الشافعية، وقيل بتعميم تفضيل الكمَّل من البشر نبيًّا أو وليًّا، وقيل: بتفضيل الكروبيين من الملائكة مطلقاً، ثم الرسل من البشر، ثم الكُمَّل منهم، ثم عموم الملائكة على عموم البشر.
إسجاد الملائكة لآدم فضيلة لأولاده عليهم، ومذهبنا تفضيل الملائكة مطلقاً، لأنه لا تصدر منهم المعصية، وما خالف هذا فأخذ من قومنا، ثم إنه لا يلزم من تفضيل جنس الإنسان على جنس الملَك، تفضيل أفراد الإنسان على الملائكة، ولا يلزم من عدم تفضيل جنس الإنسان على الملائكة، عدم تفضيل بعض أفراده، ولا يختلف فى أن الملائكة أكثر عدداً من الجن والإنس، لأحاديث:
"أطَّتِ السماء وحَقَّ لها أن تَئطّ ما من موضع قدم منها إلا وفيه ملَك راكع أو ساجد" والمراد السماوات، ولا تنزل قطرة إِلا ومعها ملَك لا يرجع، ويدخل كل يوم البيت المعمور سبعون ألف ملك، ولا يعودون إليه.