التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً
٨٩
وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً
٩٠
-الإسراء

تيسير التفسير

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } أى كررنا، والمفعول به محذوف، أى صرفنا البينات والعِبَر { لِلنَّاسِ } مطلقًا أو أهل مكة.
{ فِى هذَا القُرْآنِ } أو المفعول محذوف منعوت بقوله: { مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } أى أنواعًا ثابتة من كل معنى شبيه بالغرابة والوقوع فى النفس للمثل، والمراد المواعظ والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، والاستدلال على ما يحق اعتقاده، وما يحق العمل به، ويبطل الباطل ليتعظوا ويذعنوا.
{ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ } مطلقًا أو أكثر أهل مكة { إِلاّ كُفُورًا } بالحق عناداً إذ لم يقدروا على الإتيان بمثله، وفى أبى معنى النفى فساغ التفريغ كأنه قيل فما فعلوا إلا كفُوراً، ويتقوى أن المراد أهل مكة بقوله:
{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ } نذعن بالإيمان { لَكَ } إلخ لأن قائلى ذلك أهل مكة والعطف على أبى إِلخ. وهذا مما أداهم إليه عجزهم عن الإتيان بمثله.
{ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ } أرض مكة { يَنْبُوعًا } عينًا ماؤها كثير لا يزول، ولذلك كان اللافظ بوزن بفعول من النبع كيعيوب من عب الماء إِذا كثر وماج.
اجتمع نفر منهم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، والأسود ابن المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل، وعبد الله بن أبى أمية، وأمية بن خلف وغيرهم عند الكعبة، عند غروب الشمس، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إن جئت بهذا الحدث أى القرآن تبتغى به مالا جمعنا لك ما تكون به أغنانا، أو شرفًا سودناك علينا، أو ملكاً ملَّكناك علينا، أو غلب عليك جنى سعينا بأموالنا لنزيله بالطب.
فقال صلى الله عليه وسلم:
"لا شئ من ذلك، لكن بعثنى الله رسولا إليكم، وأنزل علىَّ كتابًا، وأمرنى أن أكون بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم، فإِن تقبلوا منى فهو حظكم من الدنيا والآخرة، وإن تردوه علىَّ أصبر لأمر الله عز وجل حتى يحكم الله بينى وبينكم" .
فقالوا: يا محمد إن كنت صادقاً فسل الله يُسيِّر عنَّا هذه الجبال المضيقة علينا، ويبسط أرضنا، ويفجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق نحرث ونغرس عليها، ويبعث علينا من آبائنا من مضى، وليكن منهم قصىّ فإنه كان شيخاً صدوقًا فنسألهم، فإن صدَّقوك صدقنا، وإلا فاسأل ربك أن يبعث ملكاً يصدقك، وأن يجعل لك جنانًا وقصوراً وكنوزاً من ذهب أو فضة تعينك على معاشك فقال:
"ما بعثت بهذا" .
وقالوا: إن كنت لا تستطيع الخير لك ولا لقومك فاستطع الشر، وأسقط علينا السماء كِسَفًا، فإن ربَّك إن شاء فعل وأخْبر ربَّك بما قُلْنا لك وأخبرنا بما أجابك به، ولن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلاً، يشهدون لك.
وقال عبد الله بن أبى أمية، وهو ابن عمته صلى الله عليه وسلم عاتكة: لا أومن لك حتى تتخذ سُلَّمًا إلى السماء ترقَى فيه، ونحن ننظر فتأتى بكتاب ونفر أربعة من الملائكة يشهدون لك، وايم الله لو فعلت لا أجزم بتصديقك.
فانصرف صلى الله عليه وسلم حزينًا لبُعدهم عن الهدى، فسلاه الله عز وجل فى هذه الشرط الستة بقوله: { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا }.