التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً
١١٠
-الكهف

تيسير التفسير

{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } لا أدرى إِلا ما علمنى ربِّى، ويكون الشئ الكثير قليلا بالنسبة إلى غيره، كما أن القليل كثير بالنسبة إلى ما دونه، فلا تناقض بين الآيتين اللتين ذكرتهما.
{ يُوحَى إِلَىَّ } من تلك الكلمات اللاتى لا تنتهى { أَنَّمَا إلهُكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ } والحصر الأول حصر موصوف هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، على صفة هى كونه بشراً مماثلا لهم، قصر قلب تنزيلا لاقتراحهم منه، ما لا يكون من بشر مثلهم منزلة من يدعى أنه غير بشر، أو أنه بشر غير مماثل لهم، أو قصر تعيين تنزيلا لهم لذلك منزلة من لا يدرى أنه بشر مثلهم، والحصر الثانى حصر موصوف هو الله عز وجلّ على الصفة هى الألوهية، قصر قلب تنزيلا لعدم إذعانهم إلى القرآن منزلة من يدعى عدم الألوهية وقصر إفراد تنزيلا لذلك منزلة مدعى تعدد الإله، ولا بطلان لهذا، لأن المعنى الرد على من يقول تنزيلاً إن الله إله، وهذه آلهة أيضًا، لا أن الواحد إلهان.
{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو } يطمع فى حصول ما فيه مسرة فى المستقبل { لِقَاءَ رَبّهِ } لقاء ثواب ربه أو حسن لقائه أى حسن البعث، أو لقاء ربه بخير منه عز وجل، أو الرجاء الخوف، أى فمن خاف لقاء ربه بشر منه عز وجل، كقوله:

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وحالفها فى بيت نوب عوامل

{ فَلْيَعْمَلْ } لذلك الطمع، لينال مطموعه، أو لذلك الخوف لينجو من مخوفه { عَمَلاً صَالِحًا }، ومن العمل ترك المعاصى لله تعالى، فإنه عمل، وهكذا فى غير هذه الآية حيث لم يذكر القوى، أو نحوها مع الإيمان.
{ وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }، كما تشرك عبدة الأصنام إياها مع الله، وكما تشرك النصارى المسيح وأُمه مع الله، وكما تشرك معه الشمس والقمر والنجوم عبدتها، ويلتحق بذلك معنى لا حكماً.
مَن قال: صفات الله غيره قال ابن العربى: ليس بين من يقول صفات الله غيره، ومن يقول: إن الله فقير إلا تزيين اللفظ، ومن ذلك ترك العمل الصالح خوف أن ينسب إلى الرياء، ومن ذلك الرياء وهو الشرك الأصغر، وقد قيل: الآية فى الشرك الجلى كشرك قريش، اليهود والنصارى، وعبدة الأوثان أو غيرها، كالملائكة والجن.
وعن ابن عباس: نزلت فى المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، فقيل لو كان كذلك لقدم النهى عن عبادة غير الله على الأمر بالعمل الصالح، وأجيب بأنه قدم العمل الصالح تفريعًا على كونه إلهًا، وأخر الشرك تفريعًا على كون الإله واحدا أو قيل: التفريع على مجموع ما تقدم ولا يدفع الإشكال بهذا إذ يقال: لم يقدم فى هذا التفريع عن الشرك، والأولى تفسيرها بالإشراك عمومًا الجلى والخفى، ولو كان أكثر شيوعًا فى الجلى، وهذا أعم فائدة ووعظًا، لا مانع منه، ولا يحسن تفسير ذلك بالرياء خاصة، كما صنع سعيد بن جبير، والحسن البصرى.
ويدل لذلك تقديم العمل الصالح لكن لا مانع من التعميم مع ذلك التقديم غايته تقديم ما هو الواجب على الموحد والمشرك، فإنه مخاطب بالفروع كالأصول على الصحيح، وقال جندب بن زهير لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى أعمل العمل لله تعالى فإذا اطلعت عليه سرنى فقال:
"إن الله تعالى لا يقبل ما شورك فيه" فنزلت الآية تصديقًا له صلى الله عليه وسلم فنقول: نزلت جوابًا له، وزجراً للمشركين، وإنما أجابه بذلك لعلمه أن جنديًا راءى فجعل نعله إشراكا وصدقته الآية، وزادت بالعموم.
قال صلى الله عليه وسلم عن ربه:
"أنا خير الشركاء من عمل عملاً أشرك فيه غيرى فأنا برئ منه وهو للذى أشرك" رواه أحمد ومسلم عن أبى هريرة.
وفى إحياء الغزالى: من عقد عمله لله أولا على الإخلاص، وحدث الرياء بعد تمامه، لم يبطل عمله، أو قبل تمامه بطل.
قلت: ينافيه أحاديث دلت على أنه يبطل، ولو حدث بعد عمله كحديث جندب.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن قال: يعجبنى الاطلاع على عملى:
"لك أجران: أجر السر وأجر العلانية" وهذا محمول على أن الرجل أعجبه الظهور من حيث إنه يقتدى به فى العمل لا رياء.