التفاسير

< >
عرض

وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً
١٦
-الكهف

تيسير التفسير

قال بعضهم لباقيهم كما يدل له: فأووا إلى الكهف، فإنه ليس من غيرهم، وإذ اعتزلتموهم وأنا معكم فى الاعتزال والأوىّ إِلى الكهف، وكذا تقول فى مثل ذلك من خطاب بعض جماعة لباقيهم، وكذا لو قال اثنان فصاعداً للباقين.
وعبارة بعض أن فيه تغليب الخطاب على التكلم، كأنه قيل: فإذا اعتزلت أنا وأنتم، ويعارضه فأووا فإنه يقتضى لام الأمر، ومضارع التكلم، فلآوى أنا وأنتم بأمر المتكلم نفسه وهو قليل، كقوله صلى الله عليه وسلم:
"قوموا فلأصل بكم" مع أنه فى رواية فلأصلى بالنصب، ولأن رواة الحديث قد لا يضبطون العربية إِلا الصحابة، ومثلهم ممن يتقنها، وجملة ما يعبدون إِلا الله معترضة من كلام الله، وما نافية، ولفظ الجلالة منصوب على التفريغ، وواو يعبدون لأصحاب الكهف، ولا بأس به إلا أن مذهبى أن جملة الاعتراض، إن قرنت بواو تكون معطوفة قبل تمام المعطوف عليه، ولا أقول بذلك فى غير الاعتراض، وحجتى فى ذلك أنه ليس الاعتراض ولا الاستئناف معنى للواو، لأن الاعتراض معلوم بنفسه، وكذا الاستئناف، ولو صحت واو الاستئناف لجاز أن تقول: وزيد قائم، أو تقول: وقام زيد بالواو بلا تقدم شئ، ولا تقدير له.
وقد عاب ابن هشام أول المعربين أن ألا بالفتح والتخفيف حرف استفتاح بأن الاستفتاح موضع لها، وإنما معناها التنبيه والتوكيد، وإن كانت الجملة من كلام أصحاب الكهف، فالواو عاطفة على الهاء، وما فكرة موصوفة واقعة على صنم مثلاً، وصفت بجملة يعبدون، أى يعبدونه، وبقوله إلا الله، كما يقال فى قوله تعالى:
" { لو كان فيهما آلهة إلاَّ الله } " [الأنبياء: 22] أو موصول اسمى أى الذى يعبدونه، أو حرفى أى وعبادتهم، والاستثناء على الوجهين منقطع، أى لكن الله هو أهل العبادة.
إن قلنا: هؤلاء يعبدون الله وغيره فمتصل، كما روى عن عطاء الخراسانى، وقيل: يعبدون غير الله فقط، وإذ متعلق بما بعدالفاء، والفاء صلة للربط، أو رابطة لجواب إذ على تضمن إذ معنى الشرط، ولو لم تكن بعدها ما، وأجيز أن تكون تعليلية لقوله فأووا، والتحقيق أن التعليل فى إذا التعليلية مستفاد من مدخولها، مثل استفادة العلة من تعليق الحكم بالمشتق.
والمعنى التجئوا بأَبدانكم إلى الكهف، كما اعتزلتموهم بدينكم، والماضى أوى، والمضارع يأوى بهمزة ساكنة قبل الواو، لأن مادة الأولى تصح همزتها، وهو من باب ضرب يضرب والأمر بهمزة وصل مكسورة، فهمزة مسكنة، هى فاء الكلمة، فواو مكسورة، هى عين الكلمة، فياء محذوفة لشبه الجزم، حذفت همزة الوصل للدرج بالفاء وضمت الواو لواو الجماعة بعدها المحذوفة فى الخط، وبنشر يبسط، ووسع ومفعوله محذوف، أى ينشر لكم ربكم الرزق فى الدارين، ومن للابتداء، والداخلة علىأمركم له، أو للتبعية، أو البدل متعلقة بهيئ أو بمحذوف حال من مرفقا، والمرفق ما يرتفق به، أى ينتفع به، قالوا ذلك لخلوص يقينهم.