التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً
٢٢
وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً
٢٣
-الكهف

تيسير التفسير

{ سَيَقُولُونَ } الواو هنا وفى الموضعين بعد الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أى سيقول بعضهم: كذا، ويقول بعضهم: كذا، وقيل اليهود الخائضين فيهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: الأولان لنصارى نجران، والثالث للمؤمنين، ونجران قرية للنصارى بين الشام واليمن والحجاز، كذا قيل، وفيه قصور لتباعد ما بين تلك المواضع، قيل سيقولون لك يا محمد، يخبرونك إِذا سألتهم وذلك أن نصارى نجران عرب وقيل الأول لليهود، والثانى للنصارى، والثالث للمؤمنين، وقيل الواوات لمن فى زمان بعثهم وبعده، لا فى زمانه صلى الله عليه وسلم، فالاستقبال بالسين لاعتبار ما قبل قولهم، أو السين للتأكيد.
{ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } أى أصحاب الكهف ثلاثة رجال معهم كلب لأحدهم، أو للراعى أو تملكوا كلبًا وصحبوه، وقدر بعض ثلاثة أشخاص، واختير لقوله: { رابعهم كلبهم } لأن الكلب غير رجل، بل شخص، ولا يلزم ذلك لجواز استصحاب غير الجنس كأنه قال: ثلاثة رجال يربعهم كلب، ولا سيما أنه لأجل صحبتهم المباركة، يعد كأحدهم ففيه إِغراء على صحبة الأخيار، ولا يضرنا أنه تخيل شعرى، لأن له داعى الإغراء ويقال لذلك الذى بعثهم الله فى زمانه نصرانى مؤمن، يقول: عيسى رسول الله لا إله ولا ابن إله لما جاء إليه تمليخا وتكلم معه وأخبره، قال هو ومن معه: إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من دقيانوس، فلعلهم هؤلاء فانطلقوا إليهم وتبعهم أهل المدينة مؤمنهم وكافرهم.
ومن ذلك تدعى النصارى أن أصحاب الكهف منهم، فقال السيد من نصارى نجران على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة رابعهم كلبهم، وهو يعقوبى ونسب هذا القول لليهود، ويقال: وفد نصارى نجران على النبى صلى الله عليه وسلم، فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقال اليعقوبية من النصارى: ثلاثة رابعهم كلبهم، وقال النسطورية منهم: خمسة سادسهم كلبهم، وقال المؤمنون سبعة وثامنهم كلبهم، وكان أصحاب الكهف بعد عيسى، وقيل: قبله، وقيل: قبل موسى عليهما الصلاة والسلام، لأن علم اليهود بهم يوجب أن يذكروا فى التوراة لكفر اليهود بالإنجيل، فلا يذكرون ما فيه، وهو قول الحسن وأبى بكر وغيرهما، وصححه بعض والفسطورية هم القائلون: إن الله ثالث ثلاثة، واليعقوبية هم القائلون: إن الله هو المسيح بن مريم، والملكانية يقولون: عيسى عبد الله ورسوله.
{ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ } هم خمسة رجال، أو خمسة أشخاص، والعطف على مدخول السين، فيكون حكمهما لينسحبا على يقولون كأنه قيل: وسيقولون، وكذا فى الثالث، ويجوز العطف فيهما على السين ومدخولها، فلا ينسحب حكمها عليهما فيستفاد الاستقبال من المضارع.
{ وَسَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ } هو قول النصارى أو العاقب منهم، وهو من النسطورية وجملة رابعهم كلبهم نعت لثلاثة، وسادسهم كلبهم نعت لخمسة، أو مستأنفتان.
{ رَجْمًا بِالغَيْبِ } تعليل لمحذوف، أى يقول أصحاب القولين ذكر رجماً بالغيب، أو راجمين بالغيب، أو ذوى رجم، أو يرجمون رجماً، فيجوز نصبه على المفعولية المطلقة، بيقولون. والكلام استعارة له من الرجم بالحجارة، والغيب الغائب من الأخبار، أو بمعنى المظنون، والباء للتعدية، شبه الغائب المظنون بحجر يرمى به، ولا يصيب.
{ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ } مثل ما مرّ، وهو قول المؤمنين ظنًّا صح أو عن الوحى، بدليل أنه لم يقل رجمًا بالغيب، كما قاله فى الأولين، فإن قوله رجمًا بالغيب عائد إلى الأولين جميعاً كما رأيت، وعدم إيراد قول رابع فى مثل هذا المحل النزاعى دليل على عدمه.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما: الصحيح أنهم سبعة، لأن الله جل وعلا قال فى أول الآية:
" { قال قائل } "[الكهف: 19] فهذا واحد، وقال فى جواب قول هذا القائل: " { قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } " [الكهف: 19] وقالوا قول جمع أول وأقله ثلاثة، ثم قال: " { قالوا ربكم أعلم بما لبثتم } " [الكهف: 19] وهذا قول جمع آخر خاطب الجمع الأول فالمجيبون ستة، والسائل واحد، فذلك سبعة.
{ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } هذه الجملة معطوفة على هم سبعة، ولا بأس بتسميتها واو الثمانية على معنى أن العرب إذا وصلوا فى العد ثمانية عطفوا بالواو، أو جاءوا بجملة حالية مقرونة واو الحال مثلا، فإنه يصح أن تكون الجملة حالا من واو يقولون، ولها معنى وهو العطف أو الحالية، مثلا وإنما المحذور أن يقال هى واو الثمانية زائدة بلا معنى، والسبعة عقد تام كعقود الشعرة لاشتمالها على أكثر مراتب أصول الأعداد، ومبالغة العرب بسبعة وسبعين وبسبعمائة وسبعين ألفًا، وكثر ذلك. والثمانية كعقد مستأنف، فبينهما اتصال من وجه، وانفصال من وجه، فصح العطف، ولا يوجد ذلك بين الستة والسبعة، ولا حاجة إلى دعوى أنها زائدة فى أول جملة النعت، لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت.
ولا نسلم أن قوله تعالى:
" { ولها كتاب معلوم } "[الحجر: 4] نعت لقرية مقرون بالواو، بل حال والواو حالية، ولو سلمنا ذلك لقلنا لما كان الثمانية فى الصفة جئ بواو الثمانية على معنى تأكيد اللصوق، وجاءت ثامنة فى قوله تعالى: " { والناهون عن المنكر } " [التوبة: 112] " { وأبكاراً } "[التحريم: 5] و " { فتحت أبوابها } "[الزمر: 71] ونحن بعد العرب نعد الأصل عشرة.
{ قُلْ رَبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } من الناس قال ابن عباس: أنا من القليل أنهم سبعة، وأن أسماءهم، مكسلمينا، وتمليخا، ومرطوش، وينبوش، وسارينوش، ودونوارش، وكفيشططيوش.
وقال علىّ: تمليخا، ومكسلمينا ومشلمينا، وهم أصحاب يمين الملك، ومرنوش، ودبرنوش، وشاديوش، وهم أصحاب يساره، وكان يستثيرهم، والسابع الراعى واسمه قيل: كفشططيوس، وقيل فليسنطيونس، وكلبهم قطمير، وقيل: حمران، وقيل: ريان، وقيل: إلا قليل من أهل الكتاب، والصحيح الأول لقول ابن عباس أنا منهم كما مر.
ويُطفأ الحريق إن شاء الله بإلقاء ورقة مكتوب فيها أسماء أهل الكهف، وتعلم الأولاد، وإن كُتبت على دار لم تحرق، أو على متاع لم يُسرق، أو على مركب لم يغرق، وتنفع بإذن الله عز وجل للطلب والهرب، وبكاء الأطفال، والحمى المثلثة، وللصداع بالشد على العضد الأيمن بها، والمتابعة، ونماء العقل، وحفظ المال، ونجاة الآثمين من السلطان، والغنى، والحياة، وعسر الولادة، بشدة على الفخذ اليسرى، ولا حجة لذلك.
{ فَلاَ تُمَارِ } تجادل { فِيهِمْ } فى شأنهم من عدد ووصف ومحل ونحو ذلك { إِلاّ مِرَاءً ظَاهِرًا } بأن تقص عليهم ما فى القرآن من غير تجهيلهم. والرد عليهم، من غير تعمق فيه، وتقول لمن ذكر منهم عدداً من أين أخذته، وما فى القرآن كفى ردٌّ وحجة.
{ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ } حال من قوله: { أَحَدًا } وهاء منهم عائد لأهل الكتاب لعلمه صلى الله عليه وسلم بمرجع الضمير.
روى أنه سأل نصارى نجران عنهم، فنهاه الله، ولا يحل لمسلم أن يراجع أهل الكتاب فى شئ من العلم، إذ لا تؤمن حياتهم وجهلهم، وقال: سأل أهل مكة اليهود فقالوا: سلوه عن ذى القرنين، وأصحاب الكهف، والروح كما مر، فسألوه فقال: غداً أخبركم، ولم يقل إن شاء الله، فلبث الوحى خمسة عشر يومًا أو غيرها كأربعين وكثلاثة كما مر تأديباً له، فنزل قوله تعالى:
{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَئٍ } لأجل شئ، أو فى شأن شئ { إِنِّى فَاعِلٌ ذَلِكَ } شيئا ما من الأشياء فحسب الأحوال { غدًا } أو بعد غد من المستقبل، وقيل: غداً عبارة عن مطلق المستقبل.