التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً
٣٧
-الكهف

تيسير التفسير

{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ } أخوه المؤمن { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ } بخلق أبيك آدم منه، والمخلوق ممن خلق من تراب مخلوق من التراب، أو بخلقك من طعام أصله من الأرض، وجعل عدم الإيمان بالبعث شركاً من أنه من لم يستكمل خصال التوحيد، فهو كخطاب الوضع، ويجوز أن يكون من طريق أنه شبه الله بخلقه فى عجزه عن البعث، فكأنه جعل لله شريكاً، وهو خلقه إذا اشتركا فى العجز عن البعث تعالى الله عن العجز عن البعث، هو قادر عليه، وفاعل له.
والأول شامل لمن أنكر البعث لعدم إمكانه فى زعمه، وعدم تعلق القدرة بالممتنع حق، فإن مَن أنكره بهذه الطريقة أو لم يجزم به مشرك أيضا، ويدل على أن هذا الكفر إشراك تعريض صاحبه بقوله:
" { ولا أشرك بربى أحداً } " [الكهف: 38] أو يقال: المراد كفرت مثل كفران قدرته العلية على كل ممكن، ومن جملة القدرة على الإعادة، فيكون منكراً للواجب تعالى، لأن واجب الوجود مَن له قدرة كاملة، وإنكار القدرة الكاملة إنكار لواجب الوجود، وهو إشراك، وكذا تقول فى سائر الصفات واجب الوجود من له علم محيط بكل شئ، وواجب الوجود مَن لا أول له، وهكذا أفعاله مثل أن تقول واجب الوجود هو الخالق، وكل واحد من الشك فى قدرة الله على البعث والشك فى أخباره عز وجل بالصدق، والشك فى أن البعث حكمة شرك، وقد قيل إنه مشرك قبل قوله ذلك.
ألا ترى إلى تعريض صاحبه بالشرك له إذ قال: لا أشرك بربى أحداً، وقوله نفسه: يا ليتنى لم أشرك بربى أحداً، والاستفهام توبيخ وإنكار، وعلق الحكم بالخلق لمزيد القبح فى إنكاره مَن هو خالق له، والتلويح بأنه كما قدر على خلقك قدر على بعثك، وهذا أهون فى بادى الرأى، وكيف لا يقدر على خلقه مَن يخلق الشئ إذا شاء، لا من شئ، ومعنى خلقه من تراب خلق أصله البعيد من تراب وهو آدم، أو أصله القريب، وهو مأكوله المتولد من النبات المتولد من التراب، أو الدم المتولد من المأكول المتولد من النبات المتولد من التراب.
{ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } متولدة من الدم المتولد مما ذكر { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } أى ثم سواك فعدلك كما فى سورة الانفطار إلى أن صرت رجلاً، فإن السوية جعل الأعضاء سليمة مسواة معدلة لمنافعها، والتعديل جعل البينة معتدلة متناسبة الأعضاء، ولعل التسوية هنا تعم التعديل، إذ لم يذكره، أو لم يذكره هنا لذكره فى سورة أخرى، ورجلا مفعول ثان، لأن التسوية جعل، وقيل: حال، وفى كونه رجلا زيادة دلالة على القدرة، وامتنان بالرجولية.