التفاسير

< >
عرض

وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً
٤٥
-الكهف

تيسير التفسير

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ } أى للمشركين المتكبرين القائلين لطرد المؤمنين الفقراء: نجالسك نحن { مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أى اذكر لهم ما تشبهه الدنيا كلها، سوى ما فيها لله عز وجل، وذلك تشبيه لها ببغضها فى السرعة، وزوال زينتها كما قال:
{ كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } خير لمحذوف تقديره ذلك الذى أشبهته كماء إلخ، ودخل بالكاف غير ذلك من الأمثلة مثل أن تقول: كريح، أو كظل، أو كسحابة، أو لضرب بمعنى صيَّر، فيكون كماء مفعولاً ثانيًا، ويكون المراد ضرب مثلا فى الغرابة، والباء للسببية أى اتصل النبات بعضه ببعض لسبب الماء، إذ ما به، وازداد كل نبات إلى جهة الآخر، أو المعنى اختلط الماء بنبات الأرض، ونفذ فيه، فازداد نضارة، فتكون الباء للتعدية، لكن عكست العبارة لأن كلا من المختلطين يصدق عليه أنه مختلط بالآخر، وذلك مبالغة، كأنه جاء النبات إلى الماء لأن المتعارف دخول الباء على الكثير غير الطارئ، كما إذا كان الماء كثيراً، وخلطت إليه شيئًا من اللبن، تقول: خلط اللبن بالماء، وفى العكس خلطت الماء باللبن.
وهناك حذف تقديره فمضت مدة فأصبح هشيماً، أى فصار فى أى وقت لا خصوص الصباح يابسا مهشوما مكسوراً تطيّره الرياح والمشبّه به ليس الماء ولا حاله، بل كيفية منتزعة من المشبه والمشبه به، فالمشبه الكيفية التى انتزعت من أمور الدنيا، وهو حالها، والمشبه به الكيفية المنتزعة من النبات وأحواله، والمراد تشبيه حال الدنيا فى نضرتها، وما يعقبها من الفناء، بحال النبات الحاصل من الماء يكون شديد الخضرة، يتعجب منه الناظرون، ثم يصير حطاما كأن لم يغن بالأمس، وقد تقرر أنه يجوز التشبيه بمفروض غير وقع، فيجوز أن يكون المعنى تشبيه حال الدنيا، بحال نبات اخضر بماء، فييبس من حينه بلا مضى مدة، فلا يقدر قولك. ومضت مدة، ويجوز أن يكون فى اختلط ضمير الماء، أى كثر وعم فيه خبر ونبات مبتدأ.
{ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُقْتَدِرًا } قديراً جدا أى كامل القدرة.