التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً
٥٤
-الكهف

تيسير التفسير

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } كررنا أو بيَّنا { فِى هذَا الْقُرْآنِ } أى فى هذا الكتاب المقروء، لأن اسم الإشارة ينعت باسم الجنس، ولو جعلناه علمًا على هذا الكتاب كان بدلا أو بيانًا، ولم يجز أن يكون نعتًا.
{ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } من كل جنس يحتاجون إليه، ومفعول صرفنا محذوف منعوت بقوله:{ من كل مثل }أى نوعًا ثابتًا من كل مثل، ولا نقدر معنى ثابتًا من كل مثل، لأن لفظ المعنى لا يستعمله العرب كما تستعمله، وذلك كما يقال: العرب لا تعرف المعنى، ومَن أجاز زيادة من فى الإثبات أجاز كل كون مفعولا لصرفنا، والمثل فى العرف كلام شبه مضربه بمورده، أى المعنى الذى رد فيه أولا، والمضرب ما يشبه بذلك الوارد أولا، ويستعمل مجازاً بمعنى ما يستغرب، كما شبه الله عز وجل تقرير دلائل الوحدانية والنبوة، والبعث والوعد والوعيد، والقصص بالمثل السائر لأنها أمور مهمة يحتاج إليها.
{ وَكَانَ الإِنْسَانُ } الجنس، وقيل: النضر بن الحارث، وقيل: ابن الزِّبَعْرى، وقيل: أُبَىّ بن خلف لعنه الله، أتى بعظم رمَّ وفقه بيده وقال: أيقدر الله تعالى على بعث هذا، يدل على الجنس ما فى البخارى عن علىّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه وفاطمة ليلا فقال:
"ألا تصليان؟" فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله تعالى إن شاء أن يبعثنا، فانصرف وضرب فخذه وقال: { وكان الإنسان أكثر شئ جدلا }.
قلت: كأنه صلى الله عليه وسلم يريد منه أن يقول: قصرنا يا رسول أو ادع الله لنا أو نحو ذلك، وذلك هو المتبادر، ومن الجائز على بعد أن يمثل بالآية لهما، مع أنها فى نحو أُبَىّ حاشاهما عنه، فيكون ذكرها تعجبًا من سرعة جوابه لا تشبيها له به حاشاه، فلعله عذره فى هذا الجواب.
{ أَكْثَرَ شَىْءٍ } يمكن منه الجدل { جَدَلاً } تمييز أى جدله أكثر من كل شئ سواه، كما يقال تمييز اسم التفضيل محول عن المبتدأ، وقولك: زيد أفضل منك أبًا، بمعنى أبو زيد أفضل من أبيك، ومن جدال الإنسان بالباطل، قوله للأنبياء:
" { ما أنتم إلاَّ بشر مثلنا } "[يس: 15] وقوله: " { ما أنزل الله على بشر من شئ } "[الأنعام: 91] ومن ذلك قوله فى الناسخ والمنسوخ والمتشابه، بما لا يجوز أن يقال، وقوه بقِدم القرآن ولو قبل الحق لامتلأ نوراً، واسم التفضيل المضاف إلى النكرة يكون موصوفه داخلا فى معناها، فالإنسان داخل فى جملة الأشياء المجادلة.
والجدال شدة الخصام بحق أو باطل، ولا تختص بالباطل، بل كثر استعمالها فيه، وهى من الإلقاء على الجدالة أى الأرض بالشدة، ويقال: المجادلة المقاتلة فى الأصل، وقيل: الملاواة، فكل خصم يلتوى على خصمه.